والغيل أصله أن يجامع الرجل المرأة وهي مرضع؛ فيقول -صلى الله عليه وسلم-: إنَّ المرضع إذا جومعت، فحملت، فسد لبنها، ونهك الولد إذا اغتذى بذلك اللبن، فيبقى ضاويًا، فإذا صار رجلاً فركب الخيل فركضها، أدركه ضعف الغيل، فزال وسقط عن متونها؛ فكان ذلك كالقتل له، إلاَّ أنَّه سِرٌّ لا يُرى ولا يُشعر به؛ كما قال الخطابي في معالم السنن.
٥ - قال ابن القيم في كتابه "مفتاح دار السعادة": الغيل: هو وطء المرأة إذا كانت ترضع، وأنه يشبه قتل الولد سواء، وأنَّه يدرك الفارس، وقوله -صلى الله عليه وسلم- في حديث:"لقد هممتُ أن أنهى عن الغيلة، ثم رأيتُ فارس والروم يفعلون، ولا يضر ذلك أولادهم شيئًا"؛ فإن الغيل يفعل في الوليد مثل ما يفعل من يصرع الفارس عن فرسه، وذلك يوجد نوع أذى، ولكنَّه ليس بقتلٍ للولد , وإن كان يترتب عليه نوع أذى للطفل، فأرشدهم -صلى الله عليه وسلم- إلى تركه، ولم ينه عنه، ثم عزم على النَّهي؛ سدًّا لذريعة أذى ينال الرضيع، فرأى أنَّ سدَّ هذا الذريعة لا يقاوم المفسدة التي تترتَّب على الإمساك عن وطء النساء مدَّة الرضاع، فرأى أنَّ هذه المصلحة أرجح من مفسدة سد الذريعة، فنظر فإذا الأُمَّتان اللتان هما من أكثر الأمم وأشدها بأسًا يفعلون ذلك فأمسك عن النَّهي عنه، فلا تعارض بين الحديثين، والله أعلم.
٦ - قال الدكتور محمَّد علي البار: الجنين يستمد غذاءه كله من أمه، فتمده بجميع عناصر الغذاء، ولو أدَّى إلى الإضرار بها، فمثلاً تعطيه الكالسيوم ولو أدَّى إلى سحبه من عظامها، كما تعطيه الحديد ولو أصابها بفقر الدم، وتمنعه من وصول المواد الضارة مثل: البولينا، وغاز أكسيد الكربون، وتمنعه المواد السامة، مع أنَّها تعيش في جسمها.
ومن المعلوم أنَّ الرضيع -وخاصة في الأشهر الأولى- يعتمد اعتمادًا كاملأ في غذائه على لبن الأم، وهو يسحب الموادَّ الهامة لبناء جسمه، كما