الكونية من أخذ بأسبابها حصلها من مسلم وكافر، فليست ملكًا لأحد، وإنما يدركها من بحث فيها.
١١ - ويدل الحديث على أنَّ حصول الأشياء من خيرٍ وشرٍّ، منوطةٌ بأسبابها التي رتَّبها الله تعالى عليها.
١٢ - يدل الحديث على مثل هذه العلوم الدنيوية؛ كالغيلة، وتأبير النخل، وأمثال ذلك، أنَّها أمورٌ يأتي بها النَّبي -صلى الله عليه وسلم- بإدراكه البشري، وقد لا يصيب فيها؛ لانَّها ليست من الأمور المتعلِّقة بالرِّسالة، وإنَّما هي من الأمور التي يرجع فيها إلى التجربة والبحث.
١٣ - تحريم الوأد، وهو عادةٌ جاهلية، ومعناه: دفن بناتهم وهنَّ أحياء؛ قال تعالى: {وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ (٨) بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ (٩)} [التكوير]، وتحريم ذلك ممَّا عُلِم من الدِّين بالضرورة.
١٤ - قوله:"كنَّا نعزل، والقرآن ينزل" يدل على مسألة أصولية، وهي أنَّ ما عمله الصحابة في زمن النبي -صلى الله عليه وسلم-، فإنَّه سنَّة، سواءٌ علمنا أنَّ النَّبيَّ -صلى الله عليه وسلم- علم به أو لم يعلم؛ لأنَّ الله تعالى لا يخفى عليه شيء، ولا يقر المسلمين على عملٍ يريد -جلَّ وعلا- شرعه، إلاَّ بيَّنه لهم.
١٥ - وتدل هذا الجملة على قاعدةٍ أُخرى، وهي أنَّ ما عُمِل زمن النَّبي -صلى الله عليه وسلم-، وأقرَّ عليه، فلم ينه عنه، فهو من الأمور المعفو عنها.
١٦ - ويدل الحديث على أنَّ إرادة الله الكونية نافذة، فلا يردها عمل وقاية منها، ولا حذر، ومع هذا: فالإنسان مأمور بعمل الأسباب المفيدة النافعة، فإنَّ الله تعالى إذا أراد وقاية أحد من شيءٍ، جعل له سببًا واقيًا منه.
قال ابن القيم: الذي كذَّب فيه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- اليهودَ هو زعمهم أنَّ العزل لا يتصور معه الحمل أصلاً، وجعلوه بمنزلة قطع النسل بالوأد، فأكذبهم وأخبر أنَّه لا يمنع الحمل إذا شاء الله خلقه، وإذا لم يرد خلقه، لم تكن وأدًا