حقيقة، وإنما سمَّاه وأدًا خفيًّا؛ لأنَّ الرَّجل إنَّما يعزل هربًا من الحمل، فأجرى قصده لذلك مجرى الوأد، ولكن الفرق بينهما: أنَّ الوأد ظاهر بالمباشرة، فاجتمع فيه القصد والفعل، والعزل يتعلَّق بالقصد فقط، فلذلك وصفه بكونه خفيًّا؛ وبهذا حصل الجمع بين الحديثين.
١٧ - يدل الحديث رقم (٨٨٩) على إلحاق النسب مع العزل.
١٨ - أما الحديثان رقم (٨٨٩)، ورقم (٩٨٠) فيدلان على جواز العزل.
١٩ - واختلف العلماء في جواز العزل تبعًا لاختلاف الأحاديث:
فذهب الأئمة الثلاثة: إلى جواز العزل؛ عملاً بالأحاديث التي تبيحه.
وذهب الإمام أحمد: إلى تحريمه إلا إذا أذِنَت الزوجة المشاركة للزوج في اللَّذة والولد؛ عملاً بحديث جدامة بنت وهب الذي في مسلم.
* تحديد النسل:
ظهر في هذه العصور المتأخرة نظرية تحديد النسل، وجعْله مبدأً اقتصاديًّا، نظرًا عندهم إلى تزايد عدد السكان تزايدًا سريعًا، بينما تزايُد المواد الغذائية يسير بنسبة حسابية متوالية.
دُرست هذه النظرية على ضوء الشريعة الإسلامية من ظاهر الحديثين؛ حديث جدامة بنت وهب رقم (٨٨٨)، وحديث أبي سعيد (٨٨٩)، فالأول يدل على تحريم العزل، وأنَّه جنايةٌ على النطفة، وقتلٌ لها، والحديث الثاني يدل على إباحة العزل، وأنَّه لا أثر له في إتلاف النفس التي ستخلق من تلك النطفة.
ووجه الجمع بينهما: أنَّ العزل ليس وأدًا حقيقة، وإنما سمَّاه وأدًا لقصده من العازل منع الحمل، فأجري مجرى الوأد، بخلاف الوأد: فإنَّه اجتمع فيه القصد، ومباشرة القتل؛ وبهذا يعرف أنَّ حديث رقم (٨٨٨)، لم يقصد به التحريم، فلا يعارض الحديث رقم (٨٨٩)، وبهذا فمنع الحمل ليس حرامًا لذاته فيكون محرَّمًا مطلقًا، وإنَّما حرم لمقاصده؛ فصار فيه التفصيل المبين