٦ - هذا المنهج الحكيم في الفتوى هو الذي يتعيَّن على المفتين أنْ يسلكوه؛ فإنَّ وَصْدَ الباب أمامَ المستفتي بالتحريم، والسكوت عن مسألة النَّاس، وهم في حاجةٍ إليها، ويوجد في الشريعة طريقٌ مباحٌ بدلًا عنها يمكنُ سلوكُها: ممَّا يسبِّب للنّاسِ الحرَجَ والضيق في شريعةٍ وسَّعها الله عليهم، أو يسبِّبُ الإقدامَ على الحرام.
*خلاف العلماء:
جاء في البخاري (١٤٥) ومسلم (٢٦٦) عن ابن عمر قال: "رقيت يومًا على بيت حفصة، فرأيتُ النَّبيَّ -صلى الله عليه وسلم- يقضي حاجته مستقبلًا الشَّام، مستدبرًا الكعبة"، ومن أجل هذا الحديث اختلف العلماء:
فذهب ابن حزم: إلى تحريم استقبال القبلة واستدبارها أثناء قضاء الحاجة مطلقًا، في الفضاء والبنيان، ويروى هذا القول عن أبي أيوب ومجاهد والنخعي والثوري والشيخ تقي الدِّين وابن القيم.
واحتجوا بحديث أبي أيوب؛ فإنَّ القول لا يعارض الفعل في حديث ابن عمر؛ فإنَّ الفعل يحكى ويحتمل الخصوصية أو النسيان أو العذر، وأمَّا القول: فهو محكَمٌ لا تتطرَّق إليه احتمالات.
وذهب إلى جواز الاستدبار مطلقًا: عروة بن الزبير وربيعة وداود؛ محتجِّين بحديث ابن عمر الذي في الصحيحين، فقد خصَّص الاستدبار من حديث أبي أيوب، أمَّا الاستقبال: فيبقى داخلًا في عموم حديث أبي أيوب من عدم الجواز.
وذهب إلى التَّفصيل، وهو جوازه في البناء، وتحريمه في الفضاء الأئمة: مالك والشَّافعي وأحمد وإسحاق، وهو مرويٌّ عن ابن عمر، والشَّعبي.
وقالوا: إنَّ الأدلَّة تجتمع في هذا القولُ، ويحصل إعمالها كلها.
قال الصنعاني: وهذا القول ليس ببعيد؛ لإبقاء أحاديث النَّهْيِ على بابها، وأحاديثِ الإباحة كذلك.
قلت: وهذا هو الرَّاجحُ من الأقوال الثلاثة، وبالله التوفيق.