للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

٩ - ومن هذه الفوائد والأحكام أنَّ هذه الهدنة، والموادعة مع مشركي أهل مكة، هي التي صارت سببًا لإسلام عمرو بن العاص، وخالد بن الوليد، وأبي سفيان بن الحارث، وعبد الله بن أبي أمية من أعيان مكة، وزعماء قريش، الذين لما أسلموا انقاد بسبب إسلامهم خلق كثير منهم.

فهذه الموادعة عرَّفت المشركين أحوال الإسلام، وآدابه، ووفاء أهله.

١٠ - ومن الحِكم والفوائد أنَّ هذا الصلح صار سبب فتح مكة بعد أقل من سنتين؛ ذلك أنَّ قريشًا نقضت العهد باعتدائهم على حلفاء النبي -صلى الله عليه وسلم- من قبيلة خزاعة، فجاء رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعشرة آلاف مقاتل، ففتح مكة، ودخلها عنوة بقتال يسير، وأصبحت بفضل الله تعالى بلدة إسلامية.

ولذا فإنَّه لما انصرف النبي -صلى الله عليه وسلم- بعد إتمام الصلح عن الحديبية ببضعة أميال، أنزل الله تعالى عليه قوله تعالى: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا (١)} [الفتح].

فقد روى البخاري من حديث البراء قال: "تعدون أنتم الفتح فتح مكة، وقد كان فتح مكة فتحًا، ولكن نحنَّ نعد الفتح بيعة الرضوان يوم الحديبية".

١١ - ومنها: تحقق الفرَج والمخرَج، الذي أشار إليه النبي -صلى الله عليه وسلم- في حق المسلمين المردودين على الكفار، فإنَّهم هربوا من قريش ولم يأووا إلى النَّبي -صلى الله عليه وسلم-، وإنما أقاموا في طريق قوافل قريش إلى الشام، فصاروا يعرِضون لها، ويقتلون من معها، ويغنمون أموالهم حتى ضجَّت قريش، وطلبت من النبي -صلى الله عليه وسلم- إلغاء هذا الشرط، وإيوائهم مع أصحابه في المدينة، ومن يتَّق الله يجعل له مخرجًا، ويجعل له من أمره يسرًا.

١٢ - الدليل على هذه الإرادة الإلهية، والتدبير الرباني-: أنَّ المسلمين لما وصلوا الثنية التي تهبط على حدود الحرم من جهة الحديبية- المسماة الآن "الشميسي" -بركت ناقة النبي -صلى الله عليه وسلم-، فقال الصحابة: خلأت القصواء؛ أي:

<<  <  ج: ص:  >  >>