للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

حزنت، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ما خلأت القصواء، وما ذاك لها بُخلق، ولكن حبسها حابس الفيل، ثم قال: والذي نفسي بيده، لا يسألون خطة يعظمون بها حرمات الله، إلاَّ أعطيتهم إيَّاها، ثم زجروها، فوثبت به بعد هذا القسم، فعدل عن قصد مكة، حتى نزل بأقصى الحديبية مما يلي جدة، كل هذا تجنبًا للقتال في الشَّهر الحرام، والبلد الحرام، إلاَّ أن تلجيء إليه الضرورة.

١٣ - قال ابن القيم: ومنها أنَّ المشركين، وأهل البدع، والبغاة، والظلمة إذا طلبوا أمرًا يعظمون به حرمة من حرمات الله تعالى -أجيبوا إليه، وأعطوه، وأعينوا عليه، فيعانون على تعظيم ما فيه حرمات الله، لا على كفرهم، وبغيهم.

فكل من التمس المعاونة على محبوب الله تعالى، أجيب إلى ذلك، كائنًا من كان، ما لم يترتب على إعانته على ذلك المحبوب مكروه أعظم منه، وهذا في أدق المواضيع، وأصعبها، وأشقها على النفوس.

ولذلك ضاق عنه من ضاق من الصحابة في إجابتهم إلى هذه الشروط.

١٤ - ومنها: جواز بدء الإمام بطلب صلح من العدو، إذا رأى المصلحة للمسلمين فيه، ولا يتوقف ذلك على ابتداء الطلب من الكفار.

١٥ - ومن الفوائد: أنَّ المشهود عليه إذا عُرف باسمه، واسم أبيه أغنى ذلك عن ذكر جده وقبيلته، فإنَّ النَّبيَّ -صلى الله عليه وسلم- اكتفى بكتاب الصلح بقوله: "محمَّد بن عبد الله"، و"سهيل بن عمرو".

١٦ - فهذه القصة العظيمة، وذلك الصلح الهام، وتلك الوثيقة المحكمة، أجراها الله تعالى العليم الخبير، ظاهرها الغِبطة للمشركين، ولكن باطنها الحكمة، والفائدة، والعز، والتمكين للمسلمين.

ولذا قال ابن القيم -رحمه الله تعالى-: هي أكبر وأجل من أن يحيط بها إلاَّ الله الذي أحكم أسبابها، فوقعت الغاية على الوجه الذي اقتضته حكمته.

<<  <  ج: ص:  >  >>