٢ - المتوسط لغيره في أمرٍ من الأمور، إنْ كان المتوسَّط له مستحقًّا لتلك الوظيفة، فالمتوسِّط محمود، وإنْ كان المتوسَّط له لا يستحق الولاية، وغيره أولى منه وأنفع، كان التوسُّط مذموماً، غشًّا لله ولرسوله، وغشًّا للمتوسط عنده، وغشًّا لمن توسَّط له؛ لكونه أعانه على ما هو منهيٌّ عنه.
٣ - "نعمت المرضعة" بما تدر من منافع المال، والجاه، ونفاذ الحكم، و"بئست الفاطمة" بتبعاتها يوم القيامة، وحسراتها.
٤ - وقال الشيخ عبد الرحمن السعدي: المتوسِّط لغيره في أمرٍ من الأمور إنْ كان المتوسَّط له كفؤًا، فهي وساطة محمودة، وإلاَّ فهو غاشٌّ له، وللعمل، وللمسلمين.
فهذا هو الَّذي يحرص عليها للمطامع الدنيوية، "فنعمت المرضعة"؛ لما فيها من حصول الجاه في الدنيا، و"بئست الفاطمة"؛ لما يترتب عليها من التبعات في الآخرة.
٥ - قوله:"ستحرصون" هذا فيه دلالة على اغترار النَّفس لمحبتها في الإمارة، لما تنال فيها من نيل لحظوظ الدنيا ولذَّاتها، ونفوذ الكلمة، ولذا ورد النَّهي عن طلبها؛ فقد أخرج البخاري (٦٦٢٢) ومسلم (١٦٥٢) من حديث عبد الرحمن بن سمرة قال: قال لي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "يا عبد الرحمن بن سمرة! لا تسأل الإمارة، فإنَّك إنْ أُعطيتها من غير مسألةٍ أُعِنْتَ عليها، وإنْ أُعْطِيتَهَا عن مسألةٍ وُكِلْتَ إليها".
٦ - وجاء في سنن الترمذي (١٣٢٤) من حديث أنس أنَّ النَّبي -صلى الله عليه وسلم- قال:"من ابتغى القضاء وسأله وُكِل إلى نفسه، ومن أُكره عليه أنزل الله عليه ملكاً يسدِّده".
وإنَّما جمع بين الرغبة فيه وبين طلبه إظهار الحرص عليه؛ فإنَّ النَّفس مائلةٌ إلى جب الرئاسة، وطلب الترفع على النَّاس، فمن منعها، سلم من هذه الآفة، ومن أتبع نفسه هواها، وسأل القضاء، هلك؛ فلا سبيل إلى المشروع فيه إلاَّ بالإكراه، وحينئذٍ يسدّد ويوفّق.