لأحدهما حتَّى تسمع من الآخر، كما سمعت من الأوَّل"، قال علي: فما زلت قاضياً بعدها.
قال الحاكم: هذا حديثٌ صحيح الإسناد، ولم يخرِّجاه، ووافقه الذهبي.
* ما يؤخذ من الحديث:
١ - العدل بين الخصوم هو أساس الحكم؛ فيجب على القاضي أنْ يعدل بين الخصمين إذا ترافعا إليه في كلِّ شيءٍ، حتَّى الَّلفظ واللحظ.
قال ابن رشد: أجمعوا على أنَّه يجب عليه أنْ يسويَ بين الخصمين في المجلس.
وقال ابن القيم: نهي عن رفع أحد الخصمين عن الآخر، وعن الإقبال عليه، وعن مشاورته، والقيام له دون خصمه؛ لئلا يكون ذريعةً إلى انكسار قلب الآخر، وضعفه عن القيام بحجته، وثقل لسانه.
٢ - وحديث الباب فيه النَّهْيُ عن القضاء للمدَّعِي حتَّى يسمع الحاكم كلام الآخر، والنَّهْيُ يقتضي الفساد، فإنْ حكم قبل سماع الإجابة، بطل قضاؤه، فإنْ سكت المدَّعَى عليه، وأصرَّ على عدم الجواب، اعتبر ناكلاً، وقُضِيَ عليه بالنكول.
هذا إذا كان المدَّعَى عليه حاضراً في مجلس الحكم، وهو مذهب الأئمة الثلاثة: مالك، والشَّافعي، وأحمد.
٣ - أمَّا إذا كان المدَّعَى عليه متغيباً عن المجلس، أو مستتراً في البلد، أو كانت الدَّعوى على ميت، أو صغير، أو مجنون، فإنَّها تسمع الدَّعوى إذا كان لدى المدَّعِي بينةً على دعواه، ويُحْكَمُ بموجب البينة، ثمَّ إذا قدم الغائب، وبلغ الصغير، وعقل المجنون، وظهر المستتر، فهم على حججهم؛ لأنَّ المانع إذا زال صاروا كالحاضرين المكلفين، وهذا مذهب الجمهور، ومنهم الأئمة