للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

اجتهاده؛ كما جاء في الحديث الصحيح: "وإنْ اجتهدَ فَأخطأ، فله أجر".

٢ - وفيه أنَّ الَّذي يلحقه التبعة والإثم هو الَّذي كسب القضية بباطله؛ فإنَّ المعصوم -صلى الله عليه وسلم- قال: "إنَّما أقطع له قطعة من نار".

٣ - قال الحافظ: وفيه أنَّ من ادعى مالاً ولم يكن له بينة، فحلف المدعى عليه، وحُكِمَ ببراءة الحالف: أنَّه لا يبرأ في الباطن، ولا يرتفع عنه الإثم بالحكم؛ وهذا مذهب جمهور العلماء، ومنهم الأئمة الثلاثة.

وخالف أبو حنيفة فقال: إنَّه ينفذ حكمه ظاهراً وباطناً، وأنَّه لو حكم بصحة الزواج بشهادة الزور، حلَّت للمدَّعِي، واستدل بآثار لا يقوم بها دليل، وبقياس لا يَقْوَى على مقاومة النَّصِّ.

٤ - وفي الحديث دليلٌ على عظم إثم من خاصم في باطل، حتَّى لو استحقه في الظاهر، فهو في الباطن حرامٌ عليه، وإنِ احتال حتَّى صار في الظاهر حقًّا، فلا يحل له تناوله في الباطن.

٥ - وفي الحديث ردٌّ على المخرِّفين الضَّالين الغالين، الَّذين يرفعون مقام النَّبي -صلى الله عليه وسلم- فوق المقام الرفيع الَّذي جعله الله له، ويعطونه من صفات الربوبية والألوهية، ومن الاطلاع على المغيبات: ما يبرأ منه دين الإسلام.

وقد أمره الله تعالى أنْ يُبَلِّغَ النَاسَ قوله تعالى: {قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلاَّ مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلاَّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (١٨٨)} [الأعراف: ١٨٨].

قال الشيخ محمد رشيد رضا في تفسيره: هذه الآية من أعظم أصول الدِّين، وقواعد عقائده ببيانها لحقيقة الرِّسالة، والفصل بينها وبين الربوبية والألوهية، وهدمها لقواعد الشرك، ومباني الوثنية من أساسها، فقد أمره أنْ يُبيِّنَ للنَّاس أنَّ كلَّ الأمور بيد الله تعالى وحده، وأنَّ علم الغيب كله عنده، وأنْ ينفي كلاًّ منهما عن نفسه -صلى الله عليه وسلم-، وذلك أنَّ الَّذين كانوا يسألونه -صلى الله عليه وسلم- عن

<<  <  ج: ص:  >  >>