السَّاعة من المسلمين كانوا يظنون أنَّ منصب الرِّسالة قد يقتضي علم السَّاعة، وغيرها من علم الغيب، وربما كان يظن بعض حديثي العهد بالإسلام أنَّ الرَّسول قد يَقْدِرُ على ما لا يصل إليه كسب البشر، من جلب النَّفع، ومنع الضر عن نفسه، وعمَّن يحب، أو يشاء؛ أو منع النفع، وإحداث الضر بمن يكره، أو بمن يشاء، فأمره الله تعالى أنْ يبيِّن أنَّ منصب الرسالة لا يقتضي ذلك، وإنَّما وظيفة الرسول التعليم والإرشاد والتزكية، وأنَّه فيما عدا تبليغ الوحي عن الله تعالى: بشر كسائر البشر؛ {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ}[الكهف: ١١٥].
والنَّبي -صلى الله عليه وسلم- لا يملك لنفسه ولا لغيره نفعاً ولا ضرًّا مستقلًّا بقدرته، وإنَّما يملك ما يملكه من ذلك بتمليك الرب الخالق جلَّت قدرته، وهو المراد بالاستثناء أي: لا أملك منهما "إلاَّ ما شاء الله" من نَفْعٍ أقدرني على جلبه، وضرٌّ أقدرني على منعه، وسخَّر لي أسبابهما.
كما أنَّه لا يملك شيئاً من عالم الغيب، الَّذي هو شأن الخالق دون المخلوق، والنَّاسُ فُتِنُوا منذ قوم نوحٍ بمن اصطفاهم الله، فجعلوهم شركاء لله تعالى فيما يرجوه عباده، من نفعٍ يسوقه إليهم، وما يخشونه من شرٍّ فيدعونه ليكشفه عنهم، وصاروا يدعونهم كما يدعون الله لذلك، إمَّا استقلالاً وإمَّا إشراكاً.
ولمَّا كان ملك الضر والنفع خاصًّا برب العباد وخالقهم، وكان طلب النفع، أو كشف الضر عبادةً لا يجوز أنْ توجَّه إلى غيره من عباده مهما يكن فضله: أمر الله رسوله -صلى الله عليه وسلم- أنْ يصرِّح بالبلاغ عنه، أنَّه لا يملك لنفسه ولا لغيره نفعاً ولا ضرًّا، وقد تكرَّر هذا في القرآن مبالغةً في تقريره وتوكيده.
٦ - جاء في سنن أبي داود (٣٦٢٧) من حديث عوف بن مالك؛ أنَّ النَّبي -صلى الله عليه وسلم- قضى بين رجلين، فقال المقضيُّ عليه لمَّا أدبر: حسبي الله ونعم الوكيل،