للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقالوا: لا يصلح حمل مطلق النصوص على مقيدها؛ لأنَّ من شرط حمل المطلق على المقيد هو اتحاد السبب واتحاد الحكم، وهنا لم يتحدا، فالسبب مختلف في الثوب؛ فإنَّ إسباله وجره غير نزوله عن الكعبين، والحكم مختلف؛ فكون الله تعالى لم ينظر إلى المسبل، ولا يكلِّمه، وله عذابٌ أليم، مغايرٌ ومخالفٌ لمن لا يمس العذاب منه إلاَّ أسفل كعبيه.

أمَّا الطائفة الأُخرى: فذهبوا في هذه النصوص إلى حمل مطلقها على مقيدها، وأنَّ الوعيد على ذلك كله واحد، وهو الإسبال مع الخيلاء والكبر، وأنَّ الإسبال ابتداؤه ما نزل من الكعبين، وقد يطول ويقصر، وهو كله محرَّم بالنصوص، بلا تفريق بين هذا وهذا.

وإنَّ القاعدة الأصولية هي حمل المطلق على المقيد، وهي قاعدة مطردة في عموم نصوص الشريعة.

والشارع الحكيم لم يقيد تحريم الإسبال "بالخيلاء" إلاَّ لحكمة أرادها، ولولا هذا، لم يقيده.

والأصل في اللباس الإباحة؛ فلا يحرم منها إلاَّ ما حرَّمه الله ورسوله، والشَّارع قصد من تحريم هذا اللبسة الخاصَّة قصد الخيلاء من الإسبال، وإلاَّ لبقيت اللبسة المذكورة على أصل الإباحة.

وإذا نظرنا إلى عموم اللباس وهيئاته وأشكاله، لم نجد منه شيئًا محرَّمًا إلاَّ وتحريمه له سبب، وإلاَّ فما معنى التحريم وما الغرض منه؟! لذا فإنَّ مفهوم الأحاديث أنَّ من أسبل، ولم يقصد بذلك الكبر والخيلاء، فإنه غير داخل في الوعيد.

ويؤكِّد هذا ما جاء في صحيح البخاري (٣٦٦٥) أنَّ النَّبيَّ -صلى الله عليه وسلم- قال: "مَن جرَّ ثوبه لم ينظر الله إليه يوم القيامة، فقال أبو بكر الصديق -رضي الله عنه-: يارسول الله! إنَّ إزاري يسترخي، إلاَّ أنْ أتعاهده؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ إنَّك

<<  <  ج: ص:  >  >>