الآداب. وهذه القطعة التي معنا فيها أربع فقرات كريمات:
الأولى:"من نفَّس عن مسلمٍ كربةً ... إلخ":
قال ابن رجب: الكربة هي الشدَّة العظيمة التي توقع صاحبها في الكرب، وتنفيسها أنْ يخفف عنه منها؛ وذلك بأنْ يزيل عنه الكربة، فتفرج عنه كربته، ويزول همه وغمه، وتفريج الكربات بابه واسع؛ فإنَّه يشمل كل ما يلزمه، وينزل بالعبد من ضائقة.
قال النووي: فيه دليلٌ على استحباب الرضا، وفك الأسير، والضمان على المعسر، وليس في الحديث جزاء الحسنة حسنة في الآخرة واحدة، وإنَّما كربة الآخرة تشتمل على أحوال صعبة، ومخاوف جمَّة، وتلك الأهوال تزيد على العسرة؛ كما أنَّ الحديث وعد بأنْ يختم للمنفِّس بخير، بأنْ يموت على الإسلام، فهو وعد بثواب الآخرة، فبهذا الوعد فليثق المؤمنون.
الثانية:"من يسَّر على معسرٍ، يسَّر الله عليه فى الدنيا والآخرة":
قال تعالى: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٢٨٠)} [البقرة]؛ فإنظار الغريم في الدَّين، أو إبراؤه سببٌ قويٌ، ووعدٌ من الله تعالى أنْ ييسِّر الله أموره في الدنيا والآخرة.
قال ابن رجب: التيسير على المعسر يكون بأحد أمرين:
إمَّا إنظاره، وذلك واجب.
وإمَّا بالوضع عنه، أو بإعطائه ما يزول به إعساره؛ وكلاهما فيه فضل.
وجاء في الصحيحين من حديث أبي هريرة عن النَّبيِّ -صلى الله عليه وسلم- قال:"كان تاجرٌ يداين النَّاسَ، فإذا رأى معسرًا، قال لصبيانه: تجاوزوا عنه، لعلَّ الله أنْ يتجاوز عنَّا، فتجاوز الله عنه".