قال النووي: في الحديث استحباب ستر المسلم إذا طَّلَعَ على أنَّه عمل فاحشة؛ فقد قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (١٩)} [النور].
والمستحب للإنسان إذا اقترف ذنبًا أنْ يستر على نفسه.
قال ابن دقيق العيد في شرح الأربعين: المراد الستر على ذوي الهيئات، ونحوهم ممَّن ليس معروفًا بالفساد، وهذا في ستر معصية وقعت وانقضت، أمَّا إذا علم معصيته وهو ملتبس بها، فيجب المبادرة بالإنكار عليه، ومنعه منها، فإنْ عجز، لزم رفعها إلى ولي الأمر إنْ لم يترتَّب على ذلك مفسدة.
أمَّا المعروف بالفسق: فلا يستر عليه؛ لأنَّ الستر عليه يطمعه في الفساد، والإيذاء، وانتهاك المحرمات، وجسارة غيره على مثل ذلك، بل عليه أنْ يرفعه إلى الإمام إنْ لم يخف من ذلك مفسدة.
وكذلك القول في جرح الرواة، والشهود، والأمناء على الصدقات، والأوقاف، والأيتام، ونحوهم، فيجب تجريحهم عند الحاجة، ولا يحل الستر عليهم إذا رأى منهم ما يقدح في أهليتهم، وليس هذا من الغيبة المحرَّمة، بل من النصيحة الواجبة.
وقال ابن رجب في شرح الأربعين: واعلم أن النَّاسَ على ضربين:
أحدهما: من كان مستورًا لا يعرف بشيءٍ من المعاصي، فإذا وقعت منه هفوة، أو زلَّة، فإنَّه لا يجوز هتكها، ولا كشفها، ولا التحدث بها؛ لأنَّ ذلك غيبة محرَّمة، وهذا هو الَّذي ورد في النصوص؛ وفي ذلك قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (١٩)} [النور]، والمراد بإشاعة الفاحشة على المؤمن فيما وقع منه، واتهم به ممَّا هو بريءٌ منه.
قال بعض الوزراء الصَّالحين لبعض من يأمر بالمعروف: اجتهد أنْ تستر