شتات قلبه عن الله، أو قلَّة دينه؛ فهو يتمنَّى ما هو فيه من نقص وضعف.
فهذا حسد على شيءٍ مقدَّر، والأوَّل حسدٌ على شيءٍ محقَّق؛ وكلاهما حاسد عدو نعمة الله، وعدو عباده، وممقوت عند الله تعالى وعند النَّاس.
الثالثة: حسد الغبطة، وهو تمنِّي أنْ يكون له مثل حال المحسود، من غير أنْ تزول النعمة عنه، فهذا لا بأس به، ولا يعاب صاحبه، بل هذا قريبٌ من المنافسة؛ قال تعالى: {وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ (٢٦)} [المطففين].
وفي الصحيح عن النَّبي -صلى الله عليه وسلم- أنَّه قال:"لا حسد إلاَّ في اثنتين: رجلٌ آتاه الله مالًا وسلَّطه على هَلَكَتِهِ في الحقِّ، ورجلٌ آتاه الله الحكمة فهو يقضي بها، ويعلِّمها النَّاس".
فهذا حسد غبطة، الحامل لصاحبه كِبَرُ نفسه، وحب خصال الخير، والتشبه بأهلها، والدخول في جملتهم، وأنْ يكون من سابقيهم، وعليه فتحدث له من هذه الهمَّة المنافسة والمسابقة والمسارعة، مع محبته لمن يغبطه، وتمنِّي دوام نعمة الله عليه، فهذا لا يدخل في الآية بوجهٍ ما.
٧ - قال الغزالي: الحسد من الأمراض العظيمة للقلوب، ولا دواء لأمراض القلوب إلاَّ بالعلم والعمل:
والعلم النَّافع لمرض الحسد: هو أنْ تعرف أنَّ الحسد ضرره عليك في الدِّين والدنيا، والمحسود لا ضرر عليه في الدنيا, ولا في الدِّين، بل ينتفع بحسدك في الدِّين؛ لأنَّه مظلومٌ من جهتك، لاسيما إذا أخرجت الحسد إلى القول والفعل، وأمَّا منفعته في الدنيا: فهو أنَّه من أهم أغراض الخلق غم الأعداء، ولا غَمَّ أعظم ممَّا فيه الحاسد.
وأمَّا العمل النَّافع فيه: فهو أنْ يتكلَّف نقيض ما يأمره به الحسد، وهو بعْثه على الحقد، والقدح في المحسود؛ فيكلف نفسه المدح له، والثناء عليه، وإنْ حمله على الكبر، ألزم نفسه بالتواضع له، وإنْ بعثه على كفِّ