للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والأعراض فيه بمعانٍ وأعراضٍ وجودية، ومن ادعى أنها عَدَمِيةٌ فهو مكابر.

وهل شكَّ أحدٌ في وصف المعاني بالشِّدَّة والضعف؟! فيقال: همٌّ شديد، وحُبٌّ شديد، وحزنٌ شديد، وألمٌ شديد، ومُقابِلُها.

فوصفُ المعاني بصفاتها أمرٌ معلومٌ عند كلِّ العقلاء.

الوجه الثَّاني: أنَّ قوله: «يلزمُ منه قيامُ المعنى بالمعنى» غيرُ صحيح، بل المعنى يوصفُ بالمعنى ويقومُ به، تبعًا لقيامه بالجوهر الذي هو المحلُّ، فيكونُ المعنيان جميعًا قائمَيْن بالمحلِّ، وأحدُهما تابعٌ للآخر، وكلاهما تبعٌ للمحلِّ، فما قام العَرَض بالعَرَض، وإنما قام العَرضان جميعًا بالجوهر، فالحركةُ والسُّرعةُ قائمتان بالمتحرِّك، والصَّوتُ وشَجَاهُ وغِلَظه ودقَّته وحسنُه وقبحُه قائمةٌ بالحامل له، والمحالُ إنما هو قيامُ المعنى بالمعنى من غير أن يكون لهما حامل، فأمَّا إذا كان لهما حاملٌ وأحدُهما صفةٌ للآخر وكلاهما قام بالمحلِّ الحامل فليس بمحال، وهذا في غاية الوضوح (١).

الوجه الثَّالث: أنَّ حُسْنَ الفعل وقبحَه شرعًا أمرٌ زائدٌ عليه؛ لأنَّ المفهوم منه زائدٌ على المفهوم من نفس الفعل، وهما وجوديَّان لا عَدَمِيَّان؛ لأنَّ نقيضهما يحملُ على العَدَم، فهو عَدَمِيٌّ، فهما إذن وجوديَّان؛ لأنَّ كون أحد النقيضين عَدَمِيًّا يستلزمُ كونَ نقيضه وجوديًّا.

فلو صحَّ دليلكم المذكورُ لزم أن لا يوصف بالحُسْن والقُبح شرعًا، ولا خلاص عن هذا إلا بإلزام كون الحُسْن والقُبح الشرعيَّين عدميَّين، ولا سبيل إليه؛ لأنَّ الثَّواب والعقاب والمدح والذَّمَّ مرتَّبٌ عليهما ترتُّبَ الأثر على


(١) انظر: «التسعينية» (٩٠٩).