للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ونظيرُ هذا ما فعله بنبيِّه يوسف عليه السلام، لمَّا أراد إظهارَ فضله وشرفِه على أهل زمانه كلِّهم، أظهرَ للمَلِك وأهل مصر من علمه بتأويل رؤياه ما عجزَ عنه علماءُ التعبير، فحينئذٍ قدَّمه ومكَّنه وسلَّم إليه خزائنَ الأرض، وكان قبل ذلك قد حبَسه، على ما رآه من حُسْن وجهه وجمال صورته، ولمَّا ظهر له حُسْنُ صورة علمه، وجمالُ معرفته، أطلَقه من الحبس، ومكَّنه (١) في الأرض؛ فدلَّ على أنَّ صورةَ العلم عند بني آدم أبهى وأحسنُ من الصورة الحِسِّيَّة (٢)، ولو كانت أجملَ صورة.

وهذا وجهٌ مستقلٌّ في تفضيل العلم، مضافٌ إلى ما تقدَّم، فتمَّ به ثلاثون وجهًا.

الوجه الحادي والثلاثون: أنه سبحانه ذمَّ أهلَ الجهل في مواضع كثيرةٍ من كتابه:

فقال تعالى: {وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ} [الأنعام: ١١١].

وقال: {وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} (٣). وقال تعالى: {أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا} [الفرقان: ٤٤]، فلم يقتصر سبحانه على تشبيه الجُهَّال بالأنعام، حتى جعلهم أضلَّ سبيلًا منهم.


(١) (ت): «مكن له».
(٢) (ت): «الصورة الحسنة».
(٣) في تسعة مواضع: الأنعام: ٣٧، الأعراف: ١٣١، الأنفال: ٣٤، يونس: ٥٥، القصص: ١٣، ٥٧، الزمر: ٤٩، الدخان: ٣٩، الطور: ٤٧.