للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فصل (١)

ثمَّ تأمَّل الحكمةَ في مقادير الليل والنَّهار تَجِدْها على غاية المصلحة والحكمة، وأنَّ مقدار اليوم والليلة لو زاد على ما قُدِّرَ عليه أو نَقَصَ لفاتت المصلحةُ واختلَّت الحكمةُ بذلك، بل جُعِل مِكيالهما أربعةً وعشرين ساعة، وجُعِلا يتقارضان الزيادة والنُّقصان بينهما، فما يزيدُ في أحدهما من الآخر يعودُ الآخرُ (٢) فيستردُّه منه.

قال الله تعالى: {يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ} [فاطر: ١٣، الحديد: ٦]، وفيه قولان (٣):

أحدهما: أنَّ المعنى: يُدْخِلُ ظُلمةَ هذا في مكان ضياء ذاك، وضياءَ هذا في مكان ظُلمة الآخر، فيُدْخِلُ كلَّ واحدٍ منهما في موضع صاحبه.

وعلى هذا، فهي عامَّةٌ في كلِّ ليلٍ ونهار.

والقول الثَّاني: أنه يزيدُ في أحدهما ما ينقُصُه من الآخر، فما نقَصَ منه يَلِجُ في الآخر لا يَذهبُ جملة.

وعلى هذا، فالآيةُ خاصَّةٌ ببعض ساعات كلٍّ من الليل والنَّهار في غير زمن الاعتدال؛ فهي خاصَّةٌ في الزَّمان وفي مقدار ما يَلِجُ في أحدهما من الآخر، وهو في الأقاليم المعتدلة غاية (٤) ما تنتهي إليه الزيادة خمسَ عشرة


(١) «الدلائل والاعتبار» (٦)، «توحيد المفضل» (٨٦ - ٨٧).
(٢) (ن): «يعود إلى الآخر».
(٣) انظر: «تفسير الطبري» (٦/ ٣٠٢، ٢٠/ ٤٥٠، ٢٣/ ١٧٠).
(٤) «غاية» ليست في (ق، ت، د).