للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والمقصودُ أنَّ الهدى مستلزمٌ لسعادة الدُّنيا، وطِيب الحياة، والنعيم العاجل، وهو أمرٌ يشهدُ به الحِسُّ والوَجْد، وأما سعادةُ الآخرة فغيبٌ يُعْلَمُ بالإيمان، فذكرها ابنُ عباسٍ رضي الله عنهما لكونها أهمَّ، وهي الغايةُ المطلوبة، وضلالُ الدُّنيا أظهر، وبالنجاة منه ينجو من كلِّ شرٍّ، وهو أصلُ ضلال الآخرة وشقائها، فلذلك ذكره وحده. والله أعلم.

فصل

وهذان الأصلان (١) ــ أعني: الضلال والشَّقاء ــ يذكرهما سبحانه كثيرًا في كلامه، ويخبرُ أنهما حظُّ أعدائه، ويذكرُ ضدَّهما ــ وهما: الهدى والفلاح ــ كثيرًا، ويخبرُ أنهما حظُّ أوليائه.

أما الأول؛ فكقوله تعالى: {إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ} [القمر: ٤٧]، فالضلالُ الضلال، والسُّعُر هو الشقاءُ والعذاب، وقال تعالى: {قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ} [يونس: ٤٥].

وأما الثاني؛ فكقوله تعالى في أول «البقرة» ــ وقد ذكر المؤمنين وصفاتهم ــ: {أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}، وكذلك في أول «لقمان»، وقال في «الأنعام»: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ}.

ولما كانت سورةُ أمِّ القرآن أعظمَ سورةٍ في القرآن، وأفرضَها قراءةً على الأمَّة، وأجمَعها لكلِّ ما يحتاجُ إليه العبد، وأعمَّها نفعًا= ذكَر فيها الأمرين:


(١) (ت، د، ق): «الضلالان».