للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مؤثِّره، والمقتضى على مقتضيه، وما كان كذلك لم يكن عَدَمًا محضًا؛ إذ العدمُ المحض لا يترتَّبُ عليه ثوابٌ ولا عقاب، ولا مدحٌ ولا ذمٌّ.

وأيضًا؛ فإنه لا معنى لكون الفعل حسنًا وقبيحًا شرعًا إلا أنه يشتملُ على صفةٍ لأجلها كان حسنًا محبوبًا للربِّ مرضيًّا له متعلَّقًا للمدح والثواب، وكون القبيح مشتملًا على صفةٍ لأجلها كان قبيحًا مبغوضًا للربِّ متعلَّقًا للذَّمِّ والعقاب.

وهذه أمورٌ وجودية ثابتةٌ له في نفسه، ومحبةُ الربِّ له وأمره به كساه أمرًا وجوديًّا زاده حُسْنًا إلى حُسْنه، وبغضُه له ونهيُه عنه كساه أمرًا وجوديًّا زاده قُبحًا إلى قُبحه، فجعلُ ذلك كلِّه عدمًا محضًا ونفيًا صِرْفًا لا يرجعُ إلى أمرٍ ثبوتيٍّ في غاية البطلان والإحالة.

وظهر أنَّ هذا الدَّليل في غاية البطلان، ولم نتعرَّض للوجوه التي قدحوا بها فيه، فإنها ــ مع طُولها ــ غيرُ شافيةٍ ولا مُقنِعة، فمن اكتفى بها فهي موجودةٌ في كتبهم (١).

* وأمَّا المسلكُ الذي اعتمده كثيرٌ منهم، كالقاضي وأبي المعالي وأبي عمرو ابن الحاجب (٢) من المتأخِّرين، فهو: أنَّ الحُسْن والقُبْحَ لو كانا ذاتيَّين لما اختلفا باختلاف الأحوال والمتعلِّقات والأزمان، ولاستحال ورودُ


(١) انظر: «بيان المختصر» للأصفهاني (١/ ٢٩٤ - ٢٩٨)، و «رفع الحاجب» (١/ ٤٥٨).
(٢) أبو المعالي: الجوينى. والقاضي: أبو بكر الباقلاني. وابن الحاجب: جمال الدين عثمان بن عمر، فقيهٌ أصوليٌّ نحويٌّ متكلِّم (ت: ٦٤٦). انظر: «السير» (٢٣/ ٢٦٤)، و «الديباج المذهب» (٢/ ٨٦).