للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولا تظنَّ أنَّ تخصيصَ عمرَ رضي الله عنه بهذا تفضيلٌ له على أبي بكر الصِّدِّيق رضي الله عنه، بل هذا مِنْ أقوى مناقب الصِّدِّيق، فإنه لكمال مَشْرَبه من حوض النُّبوَّة، وتمام رَضاعه من ثَدْي الرسالة، استغنى بذلك عمَّا يتلقَّاه من تحديثٍ أو غيره؛ فالذي يتلقَّاه من مشكاة النُّبوَّة أتمُّ من الذي يتلقَّاه عمرُ من التَّحديث (١).

فتأمَّل هذا الموضعَ وأعطه حقَّه من المعرفة، وتأمَّل ما فيه من الحكمة البالغة الشاهدة لله بأنه الحكيمُ الخبير، وأنَّ رسوله - صلى الله عليه وسلم - أكملُ خَلْقِه، وأكملُهم شريعة، وأنَّ أمَّته أكملُ الأمم.

وهذا فصلٌ معترض، وهو من أنفع فصول الكتاب (٢)، ولولا الإطالةُ لوسَّعنا فيه المقال، وأكثرنا فيه من الشواهد والأمثال، ولقد فتحَ الله الكريمُ فيه الباب، وأرشدَ فيه إلى الصَّواب، وهو المرجوُّ لتمام نعمته، ولا قوَّة إلا به (٣).

فصل (٤)

فأعِد الآنَ النَّظر فيك وفي نفسك مرَّةً ثانية:

من الذي دبَّرك بألطف التَّدبير وأنت جنينٌ في بطن أمِّك، في موضعٍ لا يدَ تنالُك، ولا بصرَ يُدْرِكُك، ولا حيلةَ لك في التماس الغذاء ولا في دفع


(١) انظر: «درء التعارض» (٥/ ٢٨)، و «منهاج السنة» (٦/ ١١٤)، و «الرد على المنطقيين» (٥١٤)، و «مجموع الفتاوى» (٢٤/ ٣٧٧).
(٢) (ح، ن): «وهو أنفع فصول الكتاب».
(٣) (ح): «ولا قوة إلا بالله العلي العظيم».
(٤) «الدلائل والاعتبار» (٤٣)، «توحيد المفضل» (١٢ - ١٦).