للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فيقلبُه الله تبارك وتعالى مِنْ صورة الدَّم وطبعه وطعمه إلى صورة اللَّبن وطبعه وطعمه؛ فاستُخرِجَ من الفَرْث والدَّم.

فسَل المعطِّل الجاحد: من الذي دبَّر هذا التَّدبير، وقدَّر هذا التقدير، وأتقنَ هذا الصُّنع، ولَطَف هذا اللُّطفَ سوى اللطيف الخبير؟!

فصل (١)

ثمَّ تأمَّل العِبرة في السَّمك وكيفية خِلْقته:

فإنه خُلِق غيرَ ذي قوائم؛ لأنه لا يحتاجُ إلى المشي؛ إذ كان مسكنُه (٢) الماء.

ولم تُخلق له رئةٌ؛ لأنَّ منفعةَ الرِّئة التنفُّسُ، والسَّمكُ لم يحتج إليه؛ لأنه ينغمسُ في الماء.

وخُلِقَت له عِوَض القوائم أجنحةٌ شدادٌ يَقْذِفُ بها مِنْ جانبيه، كما يَقْذِفُ صاحبُ المركب بالمقاذيف (٣) مِنْ جانبي السَّفينة.

وكُسِيَ جلدُه قشورًا متداخلةً كتداخُل الجَوْشَن (٤) ليَقِيَه من الآفات.

وأُعِينَ بقوَّة الشمِّ؛ لأنَّ بصره ضغيفٌ، والماءُ يحجُبه، فصار يشمُّ الطَّعام مِنْ بُعْدٍ فيقصدُه.


(١) «الدلائل والاعتبار» (٤٢)، «توحيد المفضل» (٧٥ - ٧٧).
(٢) (ت): «مسلكه».
(٣) (ت): «المقاديف». وهي المجاديف.
(٤) الدرع. «اللسان» (جشن). (ض): «كتداخل الدروع والجواشن».