للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

منه، وإزرائه على نفسه بارتكابه (١)، وإيمانه (٢) بأنَّ الله حرَّمه، وأنَّ له ربًّا يغفرُ الذنبَ ويأخذُ به، إلى غير ذلك من الأمور المحبوبة للربِّ= ما يَغْمُرُ الذنب، ويُضْعِفُ اقتضاءه، ويزيلُ أثرَه، بخلاف الجاهل بذلك أو أكثره، فإنه ليس معه إلا ظلمةُ الخطيئة وقُبْحُها وآثارُها المُرْدِية، فلا سواءٌ (٣) هذا وهذا.

وهذا فصلُ الخطاب في هذا الموضع، وبه يتبيَّنُ أنَّ الأمرين حق، وأنه لا منافاة بينهما، وأنَّ كلَّ واحدٍ من العالم والجاهل إنما زاد قبحُ الذنب منه على الآخر بسبب جهله، وتجرُّد خطيئته عمَّا يقاومها، ويُضْعِفُ تأثيرَها، ويزيلُ أثرها؛ فعاد القبحُ في الموضعين إلى الجهل وما يستلزمُه، وقلَّتُه وضعفُه إلى العلم وما يستلزمُه؛ وهذا دليلٌ ظاهرٌ على شرف العلم وفضله، وبالله التوفيق.

الوجه الحادي والخمسون بعد المئة: أن العالِم المشتغلَ بالعلم والتعليم لا يزالُ في عبادة، فنفسُ تعلُّمه وتعليمه عبادة.

قال ابن مسعود: «لا يزالُ الفقيهُ يصلِّي». قالوا: وكيف يصلي؟ قال: «ذِكرُ الله على قلبه ولسانه». ذكره ابنُ عبد البر (٤).

وفي حديث معاذٍ مرفوعًا وموقوفًا: «تعلَّموا العلم؛ فإنَّ تعلُّمَه لله خشية، وطلبَه عبادة، ومذاكرتَه تسبيح»، وقد تقدَّم (٥)، والصوابُ أنه موقوف.


(١) أي: الذنب.
(٢) (ت): «وعلمه».
(٣) كذا في الأصول، وهو فصيح. وغيِّرت في (ط) إلى: «فلا يستوي».
(٤) في «جامع بيان العلم وفضله» (١/ ٢٣٣) معلَّقًا.
(٥) (ص: ٣٣٧).