للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لا يقرُّ قرارُه حتى يرى نفسه فيه (١)، كما قيل (٢):

نَقِّل فُؤادكَ حيثُ شئتَ من الهوى ... ما الحُبُّ إلا للحبيبِ الأوَّلِ

كم منزلٍ في الأرضِ يَألَفُه الفتى ... وحنينُه أبدًا لأوَّلِ منزل

ولي من أبياتٍ تُلِمُّ بهذا المعنى:

وحيَّ على جنَّاتِ عدنٍ فإنها ... منازلُك الأولى وفيها المُخَيَّمُ

ولكنَّنا سبيُ العدوِّ فهل تُرى ... نعودُ إلى أوطانِنا ونُسَلَّمُ (٣)

* فسِرُّ هذه الوجوه أنه سبحانه وتعالى سبق في حُكمه وحكمته أنَّ الغاياتِ المطلوبة لا تُنال إلا بأسبابها التي جعلها اللهُ أسبابًا مفضيةً إليها، ومن تلك الغايات أعلى أنواع النعيم وأفضلُها وأجلُّها، فلا تُنال إلا بأسبابٍ نَصَبَها مفضيةً إليها.

وإذا كانت الغاياتُ التي هي دون ذلك لا تُنال إلا بأسبابها ــ مع ضعفها وانقطاعها ــ، كتحصيل المأكول والمشروب والملبوس والولد والمال والجاه في الدنيا؛ فكيف يُتَوهَّم حصولُ أعلى الغايات وأشرف المقامات بلا سببٍ يفضي إليه؟!

ولم يكن (٤) تحصيلُ تلك الأسباب إلا في دار المجاهدة والحرث (٥)؛


(١) (ق، ت): "فيها".
(٢) البيتان لأبي تمام في ديوانه (٤/ ٢٥٣)، و"أخباره" للصولي (٢٠٥) وغيرهما.
(٣) القصيدة بتمامها في "طريق الهجرتين" (١٠٨ - ١١٥). والمصنف كثيرُ الاستشهاد بالبيتين في كتبه.
(٤) كذا في الأصول بتقدير الخبر: ممكنًا. ولعلها: يمكن.
(٥) (د، ق): "والحرب". وهي قراءة محتملة، والمثبت أشبه.