للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فصل (١)

ثمَّ تأمَّل اختلافَ سَير الكواكب وما فيه (٢) من العجائب، كيف تجدُ بعضها لا يسيرُ إلا مع رُفقته، ولا ينفردُ عنهم بسَيره أبدًا (٣)، بل لا يسيرون إلا جميعًا، وبعضها يسيرُ سيرًا مطلقًا غير مقيَّدٍ برفيقٍ ولا صاحب، بل إذا اتفق له مصاحبتُه في منزلٍ رافقَه فيه (٤) ليلةً وفارقَه الليلةَ الأخرى، فبينا تراهُ رفيقَه وقرينَه إذ رأيتهما مفترقَين متباعدَين كأنهما لم يتصاحبا قطُّ.

وهذه السيَّارةُ لها في سَيرها سَيران مختلفان غايةَ الاختلاف: سيرٌ عامٌّ يسيرُ بها فلَكُها، وسيرٌ خاصٌّ تسيرُ هي في فلَكها؛ كما شبَّهوا ذلك بنملةٍ تَدِبُّ على رحًى ذاتَ الشمال (٥)، والرَّحى تأخذُ ذاتَ اليمين، فللنملة في ذلك حركتان مختلفتان إلى جهتين متباينتَين: إحداهما: بنفسها، والأخرى: مُكرَهةٌ عليها تبعًا للرَّحى، تجذبها إلى غير جهة قصدِها (٦). وبذلك يجعلُ التقدُّم (٧) فيها كلَّ منزلةٍ إلى جهة الشرق، ثمَّ يسيرُ فلَكُها وبمنزلتها إلى جهة الغَرب.


(١) «الدلائل والاعتبار» (٨)، «توحيد المفضل» (٨٢ - ٨٤).
(٢) (ح): «وما فيها».
(٣) (ح، ن): «ولا يفرد عنهم سيره أبدا».
(٤) (ح، ن): «وافقه فيه».
(٥) (ح، ن): «ذات اليمين وذات الشمال».
(٦) (ر، ض): «إحداهما بنفسها متوجهة أمامها، والأخرى مستكرهة مع الرحى تجذبها إلى خلفها».
(٧) (ت، ح): «التقديم».