للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وهذا أيضًا من شرف العلم: أنه لا يباحُ إلا صيدُ الكلب العالِم، وأما الكلبُ الجاهلُ فلا يحلُّ أكلُ صيده؛ فدلَّ على شرف العلم وفضله، قال تعالى: {يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ} [المائدة: ٤]، ولولا مزيَّةُ العلم والتعليم وشرفُهما كان صيدُ الكلب المعلَّم والجاهل سواءً.

الوجه الرابع والثلاثون: أنَّ الله سبحانه أخبرنا عن صفيِّه وكليمه الذي كتبَ له التوراة بيده وكلَّمه منه إليه، أنه رَحَل إلى رجلٍ عالمٍ يتعلَّمُ منه، ويزدادُ علمًا إلى علمه، وقال لفتاه: {لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا} (١)؛ حرصًا منه على لقاء هذا العالم، وعلى التعلُّم منه، فلما لقيه سلكَ معه مسلكَ المتعلِّم مع معلِّمه، وقال له: {هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا} (٢)، فبدأه بعد السلام بالاستئذان على متابعته، وأنه لا يتَّبعُه إلا بإذنه (٣)، وقال: {عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا}، فلم يجاء مُسْتَمْحِنًا ولا متعنِّتًا، وإنما جاء متعلِّمًا مستزيدًا علمًا إلى علمه.

وكفى بهذا فضلًا وشرفًا للعلم؛ فإنَّ نبيَّ الله وكليمَه سافر ورحل حتى لقي النَّصَب من سفره في تعلُّم ثلاث مسائل من رجلٍ عالم، ولمَّا سمعَ به لم يقرَّ له قرارٌ حتى لقيه وطلب منه متابعتَه وتعليمَه.


(١) كما في سورة الكهف: ٦٠.
(٢) سورة الكهف: ٦٦.
(٣) (ح، ن): «بإذنه وأمره».