للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأُعِينَت حاسَّةُ اللَّمس بقوَّةٍ جعلها الله فيها تُدْرِكُ بها الملموسات، ولم تحتَجْ إلى شيءٍ من خارج، بخلاف غيرها من الحواسِّ، بل تُدْرِكُ الملموسات بلا واسطةٍ بينها وبينها؛ لأنها إنما تدركُها بالاجتماع (١) والملامسة، فلم تحتج إلى واسطة.

فصل (٢)

فتأمَّل (٣) حال من عَدِمَ البصر، وما ينالُه من الخلل في أموره، فإنه لا يعرفُ موضعَ قدمه، ولا يبصرُ ما بين يديه، ولا يفرِّقُ بين الألوان والمناظر الحسنة من القبيحة، ولا يتمكَّنُ من استفادة علمٍ من كتابٍ يقرؤه، ولا يتهيَّأ له الاعتبارُ والنَّظرُ في عجائب مُلك الله.

هذا مع أنه لا يشعرُ بكثيرٍ من مصالحه ومضارِّه؛ فلا يشعرُ بحفرةٍ يهوي فيها، ولا بحيوانٍ يقصدُه، كالسَّبُع، فيحترزُ منه (٤)، ولا بعدوٍّ يهوي نحوه ليقتلَه، ولا يتمكَّنُ من هربٍ إن طُلِبَ (٥)، بل هو مُلْقٍ السَّلَم لمن رامه بأذى، ولولا حفظٌ خاصٌّ من الله له قريبٌ من حفظ الوليد وكلاءته لكان عطبُه إليه أقربَ من سلامته؛ فإنه بمنزلة لحمٍ على وَضَم (٦)، ولذلك جعل الله ثوابَه إذا


(١) (ق، ت): «يدركها الاجتماع». وأهمل حرف المضارعة في (د).
(٢) «الدلائل والاعتبار» (٤٨)، «توحيد المفضل» (٢٣).
(٣) (ت): «وأما».
(٤) (ن، ح): «فيتحرز منه».
(٥) (ت): «من هرب إذا هرب أو طلب».
(٦) هذا مثلٌ يضربُ في الانقياد والذُّل، يقال: أضيَعُ من لحمٍ على وَضَم. انظر: «شرح الحماسة» للمرزوقي (٢٠٧)، و «جمهرة الأمثال» (٢/ ٣)، و «اللسان» (وضم). والوَضَم: كلُّ شيء يوضع عليه اللحمُ يوقى به من الأرض.