للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وفي قصَّتهما عبرٌ وآياتٌ وحِكَمٌ ليس هذا موضع ذكرها (١).

الوجه الخامس والثلاثون: قولُه تعالى: {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} [التوبة: ١٢٢]، وندبَ تعالى المؤمنين إلى التفقُّه في الدِّين ــ وهو تعلُّمه ــ، وإنذار قومهم إذا رجعوا إليهم ــ وهو التعليم ــ.

وقد اختُلِف في الآية (٢):

فقيل: المعنى: أنَّ المؤمنين لم يكونوا لينفروا كلُّهم للتفقُّه والتعلُّم، بل ينبغي أن ينفر من كلِّ فرقةٍ منهم طائفة، تتفقَّه تلك الطائفةُ ثم ترجع تعلِّم القاعدين؛ فيكونُ النفيرُ على هذا نفيرَ تعلُّم، والطائفةُ تقالُ على الواحد فما زاد.

قالوا: فهو دليلٌ على قبول خبر الواحد.

وعلى هذا حمَلها الشافعيُّ وجماعة (٣).

وقالت طائفةٌ أخرى: المعنى: وما كان المؤمنون لينفروا إلى الجهاد كلُّهم، بل ينبغي أن تنفرَ طائفةٌ للجهاد، وفرقةٌ تقعدُ تتفقَّه في الدِّين، فإذا جاءت الطائفةُ التي نفرت فقَّهَتها القاعدةُ وعلَّمتها ما أنزل من الدِّين والحلال والحرام.


(١) انظر لها فصلًا ماتعًا في «تيسير الكريم الرحمن» للسعدي (٤٨٣ - ٤٨٥).
(٢) انظر: «إعلام الموقعين» (٢/ ٢٥٢)، و «بدائع الفوائد» (١٦٣٦).
(٣) انظر: «الفقيه والمتفقه» (١/ ٢٧٩)، و «الواضح» لابن عقيل (٤/ ٣٦٧)، و «الفصول» للجصاص (٣/ ٧٥، ٩٤، ١٤٧).
والمنقول عن الشافعي الاستدلال بالآية على قبول خبر الواحد، مع اعتبار النفير على بابه نفيرَ جهاد. انظر: «المجموع» (٤/ ٣٠٥)، و «فتح الباري» (١٣/ ٢٤٤)، و «الرسالة» (٩٨٨)، و «الأم» (٥/ ٣٦٨، ٣٨٤).