للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ليتهيَّأ الأمرُ الذي به دوامُ النَّسل.

فصل (١)

ثمَّ تأمَّل كيف كُسِيَت أجسامُ الحيوان البهيميِّ هذه الكسوةَ من الشَّعر والوَبَر والصُّوف، وكُسِيَت الطُّيورُ الرِّيش، وكُسِيَ بعضُ الدَّاوبِّ من الجلد ما هو في غاية الصَّلابة والقوَّة، كالسُّلَحْفاة، وبعضُها من الرِّيش ما هو كالأسنَّة، كلُّ ذلك بحسب حاجتها إلى الوقاية من الحرِّ والبرد والعدوِّ الذي يريدُ أذاها.

فإنها لما لم يكن لها سبيلٌ إلى اتِّخاذ الملابس واصطناع الكسوة وآلات الحرب، أُعِينَت بملابسَ وكسوةٍ لا تفارقُها، وآلاتٍ وأسلحةٍ تَدْفَعُ بها عن نفسها (٢).

وأُعِينَت بأظلافٍ وأخفافٍ وحوافرَ لمَّا عَدِمَت الأحذيةَ والنِّعال، فمعها حذاؤها وسِقاؤها، وخُصَّ الفرسُ والبغلُ والحمارُ بالحوافر لمَّا خُلِقَ للرَّكض والشَّدِّ والجري، وجُعِل لها ذلك أيضًا سلاحًا عند انتصافها من خصمها عِوَضًا من الصَّياصي (٣) والمخالب والأنياب والبَراثِن.

فتأمَّل هذا الُّلطفَ والحكمة، فإنها لما كانت بهائمَ خُرْسًا لا عقول لها، ولا أكفَّ ولا أصابعَ مهيَّأةً للانتفاع والدِّفاع، ولا حظَّ لها فيما يتصرَّفُ فيه الآدميُّون من النَّسج والغَزْل ولُطف الحيلة= جُعِلَت كسوتُها من خِلْقَتِها باقيةً


(١) «الدلائل والاعتبار» (٢٩ - ٣٠)، «توحيد المفضل» (٦١ - ٦٢).
(٢) (ح، ن): «تدفع عن نفسها».
(٣) وهي القُرون. كما تقدَّم.