ونفسَه، فلم يعرف حقيقتَه ولا مصالحه، بل نسي ما به صلاحُه وفلاحُه في معاشه ومعاده، فصار معطَّلًا مهملًا بمنزلة الأنعام السائمة، بل ربما كانت الأنعامُ أخبَر بمصالحها منه؛ لبقائها على هداها التامِّ الذي أعطاها إياه خالقُها، وأمَّا هذا فخرج عن فطرته التي خُلِقَ عليها، فنسي ربَّه، فأنساه نفسَه وصفاتها، وما تكمُل به وتزكو به وتسعدُ به في معاشها ومعادها.
قال الله تعالى:{وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا}[الكهف: ٢٨]، فغفَل عن ذكر ربِّه، فانفرط عليه أمرُه وقلبُه، فلا التفات له إلى مصالحه وكماله وما تزكو به نفسُه وقلبُه، بل هو مشتَّتُ القلب مُضيَّعُه، منفرطُ الأمر حيرانُ لا يهتدي سبيلًا (١).
والمقصودُ أنَّ العلمَ بالله أصلُ كلِّ علم، وهو أصلُ علم العبد بسعادته وكماله ومصالح دنياه وآخرته، والجهلُ به مستلزمٌ للجهل بنفسه ومصالحها وكمالها وما تزكو به وتفلحُ به، فالعلمُ به سعادةُ العبد، والجهلُ به أصلُ شقاوته.
ويزيده إيضاحًا:
الوجه الثامنُ والسبعون: أنه لا شيء أطيبُ للعبد ولا ألذُّ ولا أهنأُ ولا أنعمُ لقلبه وعيشه من محبة فاطره وباريه، ودوام ذكره، والسعي في مرضاته.
وهذا هو الكمالُ الذي لا كمال للعبد بدونه، وله خُلِقَ الخلق، ولأجله أُنزِل الوحي، وأُرسِلَت الرسل، وقامت السمواتُ والأرض، ووُجِدَت الجنةُ والنار، ولأجله شُرِعَت الشرائع، ووُضِعَ البيتُ الحرام، ووجبَ حجُّه على