للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فصل

وأمَّا ما خلقه سبحانه؛ فإنه أوجده لحكمةٍ في إيجاده، فإذا اقتضت حكمتُه إعدامَه جملةً أعدَمه، وأحدث بدله، وإذا اقتضت حكمتُه تبديلَه وتغييره وتحويله من صورةٍ إلى صورةٍ بدَّله وغيَّره وحوَّله، ولم يُعْدِمه جملة.

ومن فَهِم هذا فَهِم مسألة المعاد وما جاءت به الرسلُ فيه؛ فإنَّ القرآن والسنَّة إنما دلَّا على تغيير العالم وتحويله وتبديله، لا جَعْلِه عدمًا محضًا وإعدامه بالكلِّية؛ فدلَّ على تبديل الأرض غيرَ الأرض والسَّموات، وعلى تشقُّق السَّماء وانفطارها، وتكوير الشمس، وانتثار الكواكب، وسَجْر البحار، وإنزال المطر على أجزاء بني آدم المختلطة بالتُّراب، فينبتون كما ينبتُ النَّبات، وتُردُّ تلك الأرواحُ بعينها إلى تلك الأجساد التي أُحِيلت (١) ثمَّ أُنشِئت نشأةً أخرى، وكذلك القبورُ تُبعثَر، وكذلك الجبالُ تُسَيَّر ثمَّ تُنسَفُ وتصيرُ كالعِهْن المنفوش، وتَقِيءُ الأرضُ (٢) يوم القيامة أفلاذَ أكبادها أمثال الأُسطوان من الذَّهب والفضة (٣)، وتُمَدُّ الأرض، وتدنو الشمسُ من رؤوس النَّاس.

فهذا هو الذي أخبر به القرآنُ والسنَّة، ولا سبيل لأحدٍ من الملاحدة


(١) (ت): «أحييت».
(٢) (ت): «وتلقي الأرض».
(٣) كما ورد في «صحيح مسلم» (١٠١٣).
والأسطوان: جمع أسطُوانة، وهي السارية والعمود. والمعنى: أن الأرض تلقي ما فيها من الكنوز. وقيل: ما رسخ فيها من العُروق المعدنية. انظر: «إكمال المعلم» (٣/ ٥٣٣)، و «شرح النووي» (٧/ ٩٨).