للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

جنس عقوبة الحبس.

فلم تبطُل العقوبةُ عنها بالكلِّية، بل نُقِلت من عقوبةٍ إلى عقوبة، وكانت العقوبةُ الأولى أصلحَ في وقتها؛ لأنهم كانوا حَدِيثي عهدٍ بجاهلية وزنًا، فأُمِروا بحبس الزَّانية أوَّلًا، ثمَّ لما استوطنت أنفسُهم على عقوبتها، وخرجوا عن عوائدهم الجاهلية، ورَكنوا إلى التَّحريم والعقوبة= نُقِلوا إلى أغلظُ من العقوبة الأولى، وهو الرجمُ والجلد؛ فكانت كلُّ عقوبةٍ في وقتها هي المصلحة التي لا يُصْلِحُهم سواها.

وهذا الذي ذكرناه إنما هو في نسخ الحكم الذي ثبتَ شرعُه وأمرُه (١)، وأمَّا ما كان مُسْتَصْحَبًا بالبراءة الأصلية فهذا لا يلزمُ مِنْ رفعه بقاءُ شيءٍ منه؛ لأنه لم يكن مصلحةً لهم، وإنما أُخِّر عنهم تحريمُه إلى وقتٍ لضربٍ من المصلحة في تأخير التَّحريم، ولم يلزم من ذلك أن يكون مصلحةً حين فِعْلِهم إياه.

وهذا كتحريم الرِّبا (٢) والمُسْكِر وغير ذلك من المحرَّمات التي كانوا يفعلونها استصحابًا لعدم التَّحريم؛ فإنها لم تكن مصلحةً في وقت، ولهذا لم يشرعها الله تعالى، ولهذا كان رفعُها بالخطاب لا يسمَّى نسخًا، إذ لو كان ذلك نسخًا لكانت الشريعةُ كلُّها نسخًا (٣)، وإنما النَّسخُ رفعُ الحكم الثَّابت بالخطاب، لا رفعُ مُوجَب الاستصحاب، وهذا متَّفقٌ عليه (٤).


(١) (ق): «بشرعه وأمره».
(٢) (ت): «الزنا».
(٣) انظر: «إعلام الموقعين» (٢/ ٣١١، ٣٢٠).
(٤) انظر: «قواطع الأدلة» (٣/ ٦٩)، و «روضة الناظر» (١/ ٢٨٤).