للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والأمَّةُ الوسطُ تشهدُ عِزَّ الرُّبوبية، وقَهْرَ المشيئة ونفوذها في كلِّ شيء، وتشهدُ مع ذلك فِعْلَها وكسبها واختيارها وإيثارها شهواتها على مرضاة ربها.

فيوجبُ الشُّهودُ الأوَّلُ لها سؤالَ ربها والتَّذلُّل له والتَّضرُّع إليه (١) أن يوفِّقها لطاعته، ويحُول بينها وبين معصيته، وأن يثبِّتها على دينه ويعصمها بطواعِيَتِه (٢).

ويوجبُ الشُّهودُ الثَّاني لها اعترافَها بالذَّنب وإقرارها به على نفسها وأنها هي (٣) الظَّالمةُ المستحقَّةُ للعقوبة، وتنزيهَ ربها عن الظُّلم وأن يعذِّبها بغير استحقاقٍ منها، أو يعذِّبها على ما لم تعمله (٤).

فيجتمعُ لها من الشُّهودَين شهودُ التَّوحيد والشرع والعدل والحكمة.

وقد ذكرنا في «الفتوحات القُدُسيَّة» (٥) مشاهدَ الخَلق في مُواقعة الذَّنب، وأنها تنتهي إلى ثمانية مشاهد (٦):


(١) (ح، ن): «والتذلل والتضرع له». (ت): «والتذلل له».
(٢) أي: بطاعته.
(٣) (ت، ح، ق، ن): «وأنما هي».
(٤) (ق، د، ت): «تعلمه». والمثبت من (ح، ن) أشبه.
(٥) لعله هو «الفتح القدسي»، وهو من كتب المصنف التي لم يُعْثَر عليها بعد، وقد ذكره في بعض كتبه، وذكره له غيرُ واحد. انظر: «ابن القيم» للشيخ بكر (٢٧٨).
(٦) ذكرها المصنف في «طريق الهجرتين» (٣٥٠ - ٣٧٢). وأفاض في «مدارج السالكين» (١/ ٣٩٩ - ٤٣٣) القول فيها، فبلغت ثلاثة عشر مشهدًا، وأفردها بعض النساخ، ومنها نسخة في تشستربتي، ونشرها المكتب الإسلامي.
وهذا البابُ مما اعتنى ابن القيم بتحريره وتجويده، ولم أره في المطبوع من تراث شيخه. وقال في «المدارج»: «وهذا الفصل من أجلِّ فصول الكتاب، وأنفعها لكل أحد، وهو حقيقٌ بأن تثنى عليه الخناصر، ولعلك لا تظفر به في كتابٍ سواه إلا ما ذكرناه في كتابنا المسمى: سفر الهجرتين في طريق السعادتين».
وسيأتي تنبيهه على قلَّة من استفتحه من الناس، وأن جلَّ بحثهم هو في شهود حِكَم المخلوقات والأوامر والنواهي.