للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فَدَع الحُروبَ لأقوامٍ لها خُلِقوا ... وما لها مِنْ سوى أجسامِهم جُنَنُ

ولا تَلُمْهُم على ما فيكَ مِنْ جُبُنٍ ... فبِئسَتِ الخَلَّتانِ اللُّؤمُ والجُبُنُ (١)

قال المتوسِّطون من أهل الإثبات: ما منكم أيها الفريقان إلا من معه حقٌّ وباطل، ونحن نُساعِدُ كلَّ فريقٍ على حقِّه ونصيرُ له، ونُبْطِلُ ما معه من الباطل ونردُّه عليه؛ فنجعلُ حقَّ الطَّائفتين مذهبًا ثالثًا يخرُج من بين فَرْثٍ ودمٍ لبنًا خالصًا سائغًا للشاربين، من غير أن ننتسبَ (٢) إلى ذي مقالةٍ وطائفةٍ معيَّنةٍ انتسابًا يحمِلُنا على قبول جميع أقوالها (٣)، والانتصار لها بكلِّ غثٍّ وسمين، وردِّ جميع أقوال خصومها ومكابرتها (٤) على ما معها من الحقِّ، حتى لو كانت تلك الأقوالُ منسوبةً إلى رئيسِها وطائفتِها لبالغَت في نصرتها وتقريرها، وهذه آفةٌ ما نجا منها إلا من أنعَم الله عليه وأهَّله لمتابعة الحقِّ أين كان ومع من كان، وأمَّا من يرى أنَّ الحقَّ وقفٌ مؤبَّدٌ على طائفته وأهل مذهبه، وحِجْرٌ محجورٌ على من سواهم ممَّن لعلَّه أقربُ إلى الحقِّ والصَّواب منه، فقد حُرِم خيرًا كثيرًا، وفاته هدًى عظيم.

قالوا: وها نحن (٥) نجلسُ مجلسَ الحكومة بين هاتين المقالتين، فمن أدلى بحجَّته في موضعٍ كان المحكومَ له في ذلك الموضع، وإن كان المحكومَ عليه حيث يُدْلي خصمُه بحجَّته.


(١) الجُبُن، بالتحريك، لغةٌ في الجُبْن، وليست ضرورة.
(٢) في الأصول: «ننسب». والمثبت من (ط)، ويؤيده ذكر المصدر عقبه.
(٣) في الأصول: «أحوالها». والمثبت أولى، بدلالة ما بعده.
(٤) (ت): «ومكابريها». (ق): «ومكابروها». وأهملت في (د). والمثبت أشبه بالصواب.
(٥) (ق، د): «وهنا نحن». (ت): «وهنا». والمثبت أشبه بنمط كلام المصنف.