للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فسَل المعطِّل: من ألهمَها ذلك؟! ومن أرشدَها إليه؟! ومن دلَّها عليه؟! أفيجوزُ أن يكون هذا من غير مدبِّرٍ عزيزٍ حكيم، وتقديرِ عزيزٍ عليم، وتقديرِ لطيفٍ خبيرٍ بَهَرَت حكمتُه العقول، وشهدت له الفِطَر بما استودعها من تعريفه بأنه الله الذي لا إله إلا هو، الخالقُ الباراء المصوِّر، الذي لا تنبغي العبادةُ إلا له، وأنه لو كان معه في سمواته وأرضه إلهٌ سواه لفسَدَت السَّمواتُ والأرضُ واختلَّ نظامُ المُلك؟! فسبحانه وتعالى عما يقولُ الظَّالمون والجاحدون عُلُوًّا كبيرًا.

ولعلَّك أن تقول: ما حكمةُ هذا النَّبات المبثوث في الصَّحاري والقِفَار والجبال التي لا أنيسَ بها ولا ساكن؟! وتظنَّ أنه فَضْلةٌ لا حاجة إليه ولا فائدة في خلقه. وهذا مقدارُ عقلك ونهايةُ علمك؛ فكم لباريه وخالقه فيه من حكمةٍ وآية: مِنْ طُعْم وَحْشٍ وطيرٍ ودوابَّ مساكنُها حيثُ لا تراها تحت الأرض وفوقها، فذلك بمنزلة مائدةٍ نَصَبها الله لهذه الوحوش والطُّيور والدَّوابِّ تتناولُ منها كفايتَها، ويبقى الباقي كما يبقى الرِّزقُ الواسعُ الفاضلُ عن الضَّيف، لِسَعة ربِّ الطَّعام وغِناهُ التَّامِّ وكثرة إنعامه.

فصل (١)

ثمَّ تأمَّل الحكمةَ البالغةَ في إعطائه سبحانه بهيمةَ الأنعام الأسماعَ والأبصار؛ ليتمَّ تناولها لمصالحها ويَكْمُل انتفاعُ الإنسان بها؛ إذ لو كانت عُمْيًا وصُمًّا لم يتمكَّن من الانتفاع بها.

ثمَّ سَلَبها العقولَ التي للإنسان (٢) ليتمَّ تسخيرُه إياها، فيقودها


(١) «الدلائل والاعتبار» (٢٦)، «توحيد المفضل» (٥٢، ٥٥ - ٥٦).
(٢) (ق): «العقول على كبر خلقها التي للإنسان». وضرب ابن بردس في (د) على «كبر خلقها». وفي (ط): «سلبها العقول التي للإنسان على كبر خلقها».