للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ويصرِّفها (١) حيثُ شاء، ولو أُعطِيَت العقولَ على كِبَر خَلْقِها لامتنعَت من طاعته واستعصَت عليه ولم تكُن مسخَّرةً له، فأُعطِيَت من التَّمييز والإدراك ما تَتِمُّ به مصلحتُها ومصلحةُ من ذُلِّلت له، وسُلِبَت من الذِّهن والعقل ما مُيِّز به عليها الإنسانُ، ولتَظْهَر أيضًا فضيلةُ التَّمييز والاختصاص.

ثمَّ تأمَّل كيف قادها وذلَّلها على كِبَر أجسامها، ولم يكن يُطِيقُها (٢) لولا تسخيرُ الله لها (٣)؛ قال الله تعالى: {وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ (١٢) لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ} [الزخرف: ١٢ ــ ١٣]، أي: مُطِيقين ضابطين.

وقال تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ (٧١) وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ} [يس: ٧١ - ٧٢]، فترى البعيرَ على عِظَم خِلْقَته يقودُه الصبيُّ الصغيرُ ذليلًا منقادًا، ولو أُرسِل عليه (٤) لسوَّاهُ بالأرض ولفصَّله عضوًا عضوًا.

فسَلِ المعطِّل: من الذي ذلَّله وسخَّره وقاده ــ على قوَّته ــ لبشرٍ ضعيفٍ من أضعف المخلوقات، وفرَّغ بذلك التسخير النَّوعَ الإنسانيَّ لمصالح معاشِه (٥)


(١) (د، ق، ت): «وقودها وتصريفها».
(٢) (ق، د): «نكن نطيقها».
(٣) (د، ت، ق): «لولا تسخيره».
(٤) «عليه» ليست في (ق).
(٥) (ت): «لمصالحه ومعاشه».