للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وليس أولى بذلك منه (١).

نعم؛ لو كان في السَّفينة مالٌ أو حيوانٌ وجبَ إلقاءُ المال ثمَّ الحيوان؛ لأنَّ المفسدة في فوات الأموال والحيوانات أولى من المفسدة في فوات أنفُس النَّاس المعصومة.

وأمَّا سائرُ الصُّور التي تساوت مفاسدُها، كإتلاف الدِّرهمين والحيوانين وقتل أحد العدوَّين، فهذا الحكمُ فيه التَّخييرُ بينهما؛ لأنه لا بدَّ من إتلاف أحدهما وقايةً لنفسه، وكلاهما سواء، فيخيَّر بينهما، وكذلك العدوَّان المتكافئان يخيَّر بين قتالهما، كالواجب المخيَّر، وأولى (٢).

وأمَّا من تساوت حسناتُه وسيئاتُه وتدافَع أثرهما، فهو حجَّةٌ عليكم؛ فإنَّ الحكمَ للحسنات، وهي تَغْلِبُ السَّيئات؛ فإنه لا يدخلُ النَّار ولكنه يبقى على الأعراف مدَّةً ثمَّ يصيرُ إلى الجنَّة؛ فقد تبيَّن غلبةُ الحسنات لجانب السَّيئات، ومنعُها من ترتُّب أثرها عليها، وأنَّ الأثر هو أثرُ الحسنات فقط.

فبانَ أنه لا دليل لكم على وجود هذا القسم أصلًا، وأنَّ الدَّليل يدلُّ على امتناعه.

فإن قيل (٣): فما قولكم فيما إذا عارض المفسدةَ مصلحةٌ أرجحُ منها، وترتَّب الحكمُ على الراجح، هل يترتَّبُ عليه مع بقاء المرجوح من المصلحة والمفسدة، لكنه لما كان مغمورًا لم يُلْتَفت إليه؟ أو تقولون: إنَّ المرجوحَ زال أثرُه بالراجح، فلم يبق له أثر؟


(١) انظر: «أحكام القرآن» لابن العربي (١٦٢٣).
(٢) أي: أولى بالتخيير. وتحرفت في الأصول إلى: «والولي».
(٣) (ت، د): «قيل لكم».