للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ألا ترى أنَّ من احتَبس عنه شعرُ الرَّأس واللحية بعد إبَّانه (١) كيف تراه ناقصَ الطَّبيعة، ناقصَ الخِلقة، ضعيفَ التَّركيب؟!

فإذا شاهدتَ ذلك في الشَّعر الذي عرفتَ بعض حكمته، فما لك لا تعتبرُه في الشَّعر الذي خَفِيَت عليك حكمتُه؟!

* من جعل الرِّيقَ يجري جريًا دائمًا إلى الفم لا ينقطعُ عنه، ليَبُلَّ الحلقَ واللَّهوات، ويسهِّل الكلام، ويُسِيغ الطَّعام؟!

قال أبُقْراط (٢): «الرُّطوبةُ في الفم مطيَّةُ الغذاء».

فتأمَّل حالك عند ما يجفُّ ريقُك بعض الجفاف، ويقلُّ ينبوعُ هذه العَيْن التي لا يستغنى عنها!

فصل (٣)

تأمَّل حكمة الله تعالى في كثرة بكاء الأطفال وما لهم فيه من المنفعة؛ فإن الأطبَّاء والطَّبائعيِّين شهدوا منفعةَ ذلك وحكمته، وقالوا: في أدمغة الأطفال رطوبةٌ لو بقيَت في أدمغتهم لأحدثت أحداثًا عظيمة، فالبكاءُ يسيلُ ذلك ويُحْدِرُه من أدمغتهم، فتقوى أدمغتُهم وتصحُّ.


(١) (ح، ن): «إنباته». تحريف. وإبَّان الشيء: أوانه ووقته.
(٢) (ح، ن): «بقراط». والوجهان صحيحان. وهو طبيبٌ فيلسوفٌ مشهور له تآليف. وكان قبل الإسكندر بنحو مئة سنة. ترجمته في «طبقات الأطباء» لابن جلجل (١٦)، و «أخبار الحكماء» للقفطي (١٢١)، وغيرهما.
(٣) «الدلائل والاعتبار» (٥٥)، «توحيد المفضل» (١٦).