للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

شيءٌ قال: هذا لا فائدة فيه، وأيُّ حكمةٍ تقتضيه؟!

هذا مع أنَّ أربابَ الصَّنائع بشرٌ مثله يمكنه أن يشاركهم في صنائعهم ويفُوقهم فيها. فما الظَّنُّ بمن بهرت حكمتُه العقول، الذي لا يشاركه مشاركٌ في حكمته، كما لا يشاركه في خلقه، فلا شريك له بوجهٍ ما؟!

فمن ظنَّ أن يكتال حكمتَه (١) بمكيال عقله، ويجعل عقله عِيارًا عليها فما أدركه أقرَّ به وما لم يدركه نفاه؛ فهو من أجهل الجاهلين.

ولله في كلِّ ما خَفِي على النَّاس وجهُ الحكمة فيه حِكَمٌ عديدةٌ لا تُدْفَعُ ولا تُحْجَب.

فاعلم الآن أنَّ تحت منابت هذه الشُّعور من الحرارة والرُّطوبة ما اقتضت الطَّبيعةُ إخراجَ هذه الشُّعور عليها، ألا ترى أنَّ العُشبَ ينبتُ في مستنقع المياه بعد نُضوب الماء عنها، لِمَا خُصَّت به من الرُّطوبة؟! ولهذا كانت هذه المواضعُ مِنْ أرطب مواضع البدن، وهي أقبلُ لنبات الشعر وأهيَأ (٢)، فدَفعَت الطَّبيعةُ تلك الفضلات والرُّطوبات إلى خارجٍ فصارت شَعرًا، ولو حبسَتها في داخل البدن لأضرَّته وآذت باطنَه، فخروجُها عينُ مصلحة الحيوان، واحتباسُها إنما يكونُ لنقصٍ وآفةٍ فيه.

وهذا كخروج دم الحيض من المرأة، فإنه عينُ مصلحتها وكمالها، ولهذا يكونُ احتباسُه لفسادٍ في الطَّبيعة ونقصٍ فيها.


(١) (ت): «مكيال حكمته». (ن): «يكال حكمته».
(٢) «وهي أقبل لنبات الشعر وأهيأ» ليس في (ت).