للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فصل (١)

ثمَّ تأمَّل خَلْقَ الأرض على ما هي عليه، حين خُلِقَت واقفةً ساكنةً (٢) لتكونَ مِهادًا ومستقرًّا للحيوان والنَّبات والأمتعة، ويتمكَّنَ الحيوانُ والنَّاسُ من السَّعي عليها في مآربهم، والجلوس لراحاتهم، والنوم لهدوئهم، والتمكُّن من أعمالهم، ولو كانت رَجْراجَةً متكفِّئةً (٣) لم يستطيعوا على ظَهْرِها قرارًا ولا هدوءًا، ولا ثَبَتَ لهم عليها بناء، ولا أمكنهم عليها صناعةٌ ولا تجارةٌ ولا حِراثةٌ ولا مصلحة، وكيف كانوا يتهنَّون (٤) بالعيش والأرضُ تَرتَجُّ (٥) من تحتهم؟!

واعْتَبِر ذلك بما يصيبُهم من الزَّلازل، على قلَّة مكثها، كيف تصيِّرهم إلى ترك منازلهم والهرب عنها.

وقد نبَّه الله تعالى على ذلك بقوله: {وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ} [النحل: ١٥]، وقوله تعالى: {اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَرَارًا} [غافر: ٦٤]، وقوله: {الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مِهَادًا (٦)} [طه: ٥٣، الزخرف: ١٠]،


(١) «الدلائل والاعتبار» (١٣)، «توحيد المفضل» (٩١).
(٢) (ض): «راتبة راكنة». (ر): «راتبة راكدة».
(٣) (ق، ر، ض): «منكفئة». والمثبت من باقي الأصول و «بحار الأنوار» (٣/ ١٢١، ٥٧/ ٨٧). والتكفُّؤ: التمايل. «اللسان» (كفأ).
(٤) (ن): «يهنأون». (ق، د): «يتهنؤون». والمثبت من (ت، ح، ض).
(٥) (ت): «ترتج بهم».
(٦) أصلحها ناسخ (ح) ــ وتابعته المطبوعات ــ إلى: «مهدا». وإنما قدَّم المصنفُ قراءة «مهادا» لأنها قراءة أبي عمرو، وهي قراءته وقراءة أهل الشام لعصره.