للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ويسمَّى تالي الكلام: تاليًا؛ لأنه يُتْبِعُ بعضَ الحروف بعضًا، لا يُخْرِجُها جملةً واحدة، بل يُتْبِعُ بعضَها بعضًا مرتَّبة، كلما انقضى حرفٌ أو كلمةٌ أتبعه بحرفٍ آخر وكلمةٍ أخرى.

وهذه التِّلاوة وسيلةٌ وطريق، والمقصودُ التِّلاوةُ الحقيقية، وهي تلاوةُ المعنى واتِّباعُه (١)؛ تصديقًا بخبره، وائتمارًا بأمره، وانتهاءً عن نهيه، وائتمامًا به، حيثُ ما قادك انقَدتَ معه.

فتلاوةُ القرآن تتناولُ تلاوةَ لفظه ومعناه، وتلاوةُ المعنى أشرفُ من مجرَّد تلاوة اللفظ، وأهلُها هم أهلُ القرآن الذين لهم الثناءُ في الدنيا والآخرة، فإنهم أهلُ متابعةٍ وتلاوةٍ حقًّا.

فصل

ثم قال تعالى: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} (٢).

لمَّا أخبر سبحانه عن حال من اتبعَ هداه في معاشه ومعاده أخبَر عن حال من أعرَض عنه ولم يَتَّبِعْه، فقال: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا}، أي: عن الذِّكر الذي أنزلتُه (٣).

فالذكرُ هنا مصدرٌ مضافٌ إلى الفاعل، كـ «قيامي» و «قراءتي»، لا إلى


(١) انظر: «مجموع الفتاوى» (٧/ ١٦٧، ١٠/ ١٧٦، ١٥/ ٧٠، ٣٩٠)، و «شرح العمدة» (٨٨ - الصلاة).
(٢) وما مضى من (ص: ٨٨) إلى هنا كلُّه متعلِّقٌ بالآية التي قبلها.
(٣) (ح، ن): «أنزله».