للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فصل (١)

ثمَّ تأمَّل حكمةَ الله عزَّ وجلَّ في عِزَّة هذين النقدين: الذَّهب والفضة، وقصور حيلة (٢) العالَم عما حاولوا من صَنْعَتهما والتشبُّه بخَلْق الله إياهما، مع شدَّة حرصهم وبلوغ أقصى جهدهم واجتهادهم في ذلك، فلم يظفروا بسوى الصِّبغة (٣).

ولو مُكِّنوا من أن يصنعوا مثلَ ما خَلَق الله من ذلك لفَسَد أمرُ العالَم، واستفاض الذَّهبُ والفضةُ في النَّاس حتى صارا كالشَّقَف (٤) والفَخَّار، وكانت تتعطَّل المصلحةُ التي وُضِعَا لأجلها، وكانت كثرتُهما جدًّا سببَ تعطُّل الانتفاع بهما؛ فإنه لا يبقى لهما قيمة (٥)، ويبطُل كونُهما قِيَمًا لنفائس


(١) «الدلائل والاعتبار» (١٤ - ١٥)، «توحيد المفضل» (٩٨).
(٢) (ح): «حيرة». (ت): «همة».
(٣) (ق، د): «الضيعة». (ت): «الصيغة». والمثبت أدنى إلى الصواب. فإن غاية ما يمكنهم هو صبغ النحاس مثلًا بصبغ الفضة. انظر: «تفسير ابن كثير» (٦/ ٢٦٧٥)، و «البداية والنهاية» (٢/ ٢٠٤)، و «شرح المقاصد» للتفتازاني (١/ ٣٧٤). وكان أصحاب هذه الصناعة يقولون عن أنفسهم: «نحن صبَّاغون»! «مجموع الفتاوى» (٢٩/ ٣٦٩).
وفي (ح، ن): «الصنعة»، وهي قراءة محتملة؛ فالكيمياء يشبَّه فيها المصنوع بالمخلوق. قال ابن تيمية: «ومن زعم أن الذهب المصنوع مثل المخلوق فقوله باطلٌ في العقل والدين». «الفتاوى» (٢٩/ ٣٦٨). وكانت كتب الكيمياء تسمى «كتب الصَّنعة». انظر: المقالة العاشرة من «الفهرست» للنديم، و «مجموع الفتاوى» (٢٩/ ٣٧٨).
(٤) وهو الخزف المكسَّر. «اللسان» (شقف).
(٥) (ح، ن): «قيمة نفيسة».