للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وليست نفائسُ البضائع إلا لمن امتطى غاربَ الاغتراب، وطوَّف في الآفاق حتى رَضِيَ من الغنيمة بالإياب، فاستلانَ ما استَوعَره البطَّالون، وأنِسَ بما استَوحش منه الجاهلون.

فصل (١)

فأعِد النَّظر في نفسك، وحكمة الخلَّاق العليم في خَلْقِك، وانظُر إلى الحواسِّ التي منها تُشْرِفُ على الأشياء، كيف جعلها الله في الرأس (٢) كالمصابيح فوق المنارة؛ لتتمكَّن بها من مطالعة الأشياء، ولم تُجْعَل في الأعضاء التي تُمْتَهنُ (٣) كاليدين والرِّجلين، فتَعْرِضُ للآفات بمباشرة الأعمال والحركات، ولا جعلها في الأعضاء التي في وسط البدن كالبطن والظَّهر، فيعسُر عليها التلفُّتُ (٤) والاطلاعُ على الأشياء؛ فلما لم يكن لها في شيءٍ من هذه الأعضاء موضعٌ كان الرأسُ أليقَ المواضع بها وأجملها (٥)، فالرأسُ (٦) صومعةُ الحواسِّ (٧).

ثمَّ تأمَّل الحكمة في أنْ جعل الحواسَّ خمسًا في مقابلة المحسوسات الخمس؛ ليلقى خمسًا بخمسٍ، كي لا يبقى شيءٌ من المحسوسات لا ينالُه


(١) «الدلائل والاعتبار» (٤٧)، «توحيد المفضل» (٢١ - ٢٢).
(٢) (ر): «جعلت في الرأس». (ض): «جعلت العينان في الرأس».
(٣) (ض): «تحتهن».
(٤) (ن): «التقلب». (ض): «فيعسر تقلبها».
(٥) (ت): «وأجلها». (ض): «كان الرأس أسنى المواضع».
(٦) (ن): «أليق المواضع بها، وجعلها في الرأس».
(٧) من أمثال المولَّدين. انظر: «مجمع الأمثال» (٢/ ١٠١).