للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

جديرًا أن يُرسَل هذا الطَّائرُ إلى القاتل من ابنَيْ آدم دون غيره من الطُّيور، فكأنه صورةُ طائره الذي أُلزِمَه في عنقه، وطار عنه من عمله.

ولا تظُنَّ أنَّ إرسال الغُراب وقع اتفاقًا خاليًا من الحكمة؛ فإنك إذا خَفِيَ عليك وجهُ الحكمة فلا تُنكِرْها، واعلم أنَّ خفاءها من لُطفها وشرفها، ولله تعالى فيما يُخْفِي وجهَ الحكمة فيه على البشر الحِكَمُ الباهرةُ (١) المتضمِّنةُ للغايات المحمودة.

فصل (٢)

ثمَّ تأمَّل الحكمةَ الباهرةَ في وجه الدَّابَّة كيف هو؛ فإنك ترى العينين فيه شاخصتَيْن أمامها لتبصرَ ما بين يديها أتمَّ من بصر غيرها؛ لأنها تحرسُ نفسَها وراكبَها فتتَّقي أن تَصْدِم حائطًا أو تتردَّى في حُفرة، فجُعِلت عيناها كعينَيْ المنتصِب القامة لأنها طليعتُه، وجُعِل فُوها مشقوقًا (٣) في أسفل الخَطْم (٤) لتتمكَّن من العضِّ والقبض على العَلَف؛ إذ لو كان فُوها في مقدَّم الخَطْم كمكانه (٥) من الإنسان في مقدَّم الذَّقن لما استطاعت أن تتناول به شيئًا من الأرض.

ألا ترى الإنسانَ لا يتناولُ الطَّعام بفِيه لكن بيده، فلمَّا لم تكن الدَّابَّةُ


(١) (ت): «الحكمة البالغة الباهرة».
(٢) «الدلائل والاعتبار» (٣١)، «توحيد المفضل» (٥٧ - ٥٨).
(٣) (ح، ن): «مستوفيا».
(٤) الخَطْم: الأنف، أو مقدَّمه. «المعجم الوسيط» (خطم).
(٥) (ح، ن): «كما انه».