للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

من جنود الله، ضعيفُ الخِلْقة، عجيبُ التَّركيب، فيه خَلْقُ سبع حيوانات (١)؛ فإذا رأيتَ عساكرَه قد أقبلت أبصرتَ جندًا لا مردَّ له، ولا يحمي منه عَدَدٌ ولا عُدَّة، فلو جمع الملكُ خيلَه ورَجِلَه ودوابَّه وسلاحَه ليصدَّه عن بلده لما أمكنه ذلك.

فانظر كيف ينسابُ على الأرض كالسَّيل، فيغشى السَّهل والجبل، والبَدْو والحضر، حتى يستُر نورَ الشمس بكثرته، ويَسُدَّ وجهَ السَّماء بأجنحته، ويبلغ من الجوِّ إلى حيثُ لا يبلغُ طائرٌ أكبرُ جناحين منه.

فسَل المعطِّل: من الذي بعث هذا الجندَ الضعيفَ الذي لا يستطيعُ أن يردَّ (٢) عن نفسه حيوانًا رام أخذَه بفِيه (٣) على العسكر أهل القوَّة والكثرة والعَدَد والعُدَّة والحيلة، فلا يقدرون بأجمعهم على دفعه، بل ينظرون إليه يستبدُّ بأقواتهم دونهم، ويمزِّقها كلَّ ممزَّق، ويذرُ الأرض قفرًا منها، وهم لا يستطيعون أن يردُّوه ولا يحولوا بينه وبينها؟!

وهذا من حكمته سبحانه أن يسلِّط الضعيفَ مِنْ خلقه الذي لا مؤنة له على القويِّ، فينتقم به منه، ويُنْزِل به ما كان يَحْذَرُه منه، حتى لا يستطيع لذلك مردًّا ولا صرفًا، قال الله تعالى: {وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ (٥) وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ} [القصص: ٥ - ٦].


(١) انظر: «الجليس والأنيس» (٣/ ٢٧٣)، و «وفيات الأعيان» (٤/ ٢٤٧)، و «فتح الباري» (٩/ ٦٢٠).
(٢) (د): «يدفع». (ت): «يرفع».
(٣) (ح، ن): «بعثه». تحريف. ولم تحرر في (ت، ق).