للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فواحسرتاه على استقامةٍ مع الله وإيثارٍ لمرضاته في كلِّ حالٍ يمكَّنُ به الضعيفُ (١) المُسْتضعَفُ حتى يَرى من استضعفَه أنه أولى بالله ورسوله منه!

ولكن اقتضت حكمةُ الله العزيز الحكيم أنْ يأكل الظَّالمُ الباغي ويتمتَّع (٢) في خَفارة ذنوب المظلوم المبغيِّ عليه، فذنوبُه مِنْ أعظم أسباب الرحمة في حقِّ ظالمه، كما أنَّ المسؤول إذا رَدَّ السَّائل فهو في خَفارة كذبه، ولو صَدَق السَّائلُ لما أفلحَ من ردَّه (٣)، وكذلك السَّارقُ وقاطعُ الطَّريق في خَفارة مَنْع أصحاب الأموال حقوقَ الله فيها، ولو أدَّوا ما لله عليهم فيها لحفظها الله عليهم.

وهذا أيضًا بابٌ عظيمٌ من حكمة الله، يُطْلِعُ النَّاظرَ فيه على أسرارٍ من أسرار التقدير (٤)، وتسليطِ العالم بعضِهم على بعض، وتمكين الجُناة والبُغاة.

فسبحان من له في كلِّ شيءٍ حكمةٌ بالغةٌ وآيةٌ باهرة، حتى إنَّ الحيوانات العادِيَة على الناس في أموالهم وأرزاقهم وأبدانهم تعيشُ في خَفارة ما كسبت أيديهم، ولولا ذلك لم يسلَّط عليهم منها شيء.

ولعلَّ هذا الفصل الطَّرديَّ (٥) أنفعُ لمتأمِّله من كثيرٍ من الفصول المتقدِّمة؛ فإنه إذا أعطاه حقَّه من النَّظر والفكر عَظُم انتفاعُه به جدًّا، والله الموفق.


(١) (ق): «للضعيف».
(٢) (ن): «ويمنع». (ت): «ويمنع».
(٣) وفي ذلك حديثٌ مشهورٌ لا يثبت، لكنَّ معناه صحيح. وانظر حوله موقفًا طريفًا في «مسائل الإمام أحمد» (٢/ ١٧٧) رواية ابن هاناء.
(٤) (ت): «على أسرار التقدير».
(٥) (ن): «المطرد».