للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تركيبُ الذَّكر في الأنثى، ومنها ما تركيبُه تركيبُ اتصالٍ فقط، وكيف اختلفت أشكالُها باختلاف منافعها؛ كالأضراس، فإنها لما كانت آلةً للطَّحْن جُعِلَت عريضةً، ولما كانت الأسنانُ آلةً للقَطع جُعِلَت مُستدِقَّةً محدَّدة (١).

ولما كان الإنسانُ محتاجًا إلى الحركة بجُملة بدنه وببعض أعضائه للتَّردُّد في حاجته لم يجعَل عظامه عظمًا واحدًا، بل عظامًا متعدِّدة، وجعل بينها مفاصل حتى تتيسَّر بها الحركة (٢)، وكان قَدْرُ كلِّ واحدٍ منها وشكلُه على حسب الحركة المطلوبة منه.

وكيف شَدَّ أسْرَ تلك المفاصل والأعضاء وربط بعضها ببعضٍ بأوتارٍ ورِباطاتٍ أنبتها من أحد طرفي العظم (٣)، وألصقَ العظمَ بالطَّرف الآخر كالرِّباط له، ثمَّ جعل في أحد طرفي العظم زوائدَ خارجةً عنه، وفي الآخر نُقَرًا غائصةً فيه موافقةً لشكل تلك الزوائد؛ ليدخُل فيها ويَنْطَبِق عليها، فإذا أراد العبدُ أن يحرِّك جزءًا من بدنه لم يمتنع عليه، ولولا المفاصلُ لتعذَّر عليه ذلك.

وتأمَّل كيفيَّة خَلْق الرَّأس، وكثرةَ ما فيه من العظام، حتى قيل: إنها خمسةٌ وخمسون عظمًا (٤)، مختلفة الأشكال والمقادير والمنافع، وكيف ركَّبه سبحانه وتعالى على البدن، وجعله عاليًا عليه عُلُوَّ الراكب على مركوبه؛


(١) (ت، ح): «محدودة».
(٢) (ت): «حتى يسير بهما». (ق، د): «حتى يتيسر بها». والمثبت من (ح، ن) و «الإحياء».
(٣) (ق): «من طرفي العظم». وسقط من (ت، ن) من قوله: «العظم» إلى: «ثم جعل في» بسبب انتقال النظر. والمثبت من (د، ح) و «الإحياء».
(٤) تفصيلها في «الإحياء» (٤/ ٤٣٦).