للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومِنْ أعجب النِّعم عليه نعمةُ النِّسيان؛ فإنه لولا النِّسيانُ لما سَلَا شيئًا (١)، ولا انقضت له حسرة، ولا تعزَّى عن مصيبة، ولا مات له حُزن، ولا بَطَل له حِقْد، ولا استمتع بشيءٍ من متاع الدُّنيا مع تذكُّر الآفات، ولا رجا غفلةً من عدوِّه ولا فترةً (٢) من حاسده.

فتأمَّل نعمة الله عليه (٣) في الحفظ والنِّسيان مع اختلافهما وتضادِّهما وجعَل له (٤) في كلِّ واحدٍ منهما ضربًا (٥) من المصلحة.

تنبيه: تأمَّل هذا الخُلق الذي خُصَّ به الإنسانُ دون جميع الحيوان، وهو خُلق الحياء الذي هو مِنْ أفضل الأخلاق وأجلِّها، وأعظمها قدرًا، وأكثرها نفعًا، بل هو خاصَّةُ الإنسانيَّة، فمن لا حياء فيه ليس معه من الإنسانيَّة إلا اللحمُ والدَّمُ وصورتهما الظَّاهرة، كما أنه ليس معه من الخير شيء.

ولولا هذا الخُلقُ لم يُقْرَ الضيف، ولم يُوفَ بالوعد، ولم تؤدَّ أمانة، ولم تُقْض لأحدٍ حاجة، ولا تحرَّى الرجلُ الجميلَ فآثره والقبيحَ فتنكَّبه (٦)،


(١) أي: نَسِيَه وطابت نفسُه بعد فراقه.
(٢) مهملة في (د). (ق، ح، ن): «نقمة»، تحريف. وسقطت من (ت). والمثبت من (ر، ض) أشبه. وانظر: «بدائع الفوائد» (٧٦٨، ٧٧٢).
(٣) «عليه» ليست في (ح، ن).
(٤) كذا في الأصول و (ر، ض)، لكن السياق فيهما: «أفلا ترى كيف جعل في الإنسان الحفظ والنسيان وهما مختلفان متضادان، وجعل له ... »، فغيَّر المصنف صدر الجملة الأولى وسها عن إصلاح الثانية، ولو قال: «وجعله» لاستقام سياق الكلام.
(٥) (ن): «ضرب».
(٦) مهملة في (د). (ق، ح، ن): «فسلبه»، وهو تحريفٌ عن المثبت من (ر، ض). والجملة برمتها ساقطة من (ت).