للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال الله تعالى: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا (٦٩) ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ عَلِيمًا} [النساء: ٦٩ - ٧٠]، فذكر مراتبَ السُّعداء، وهي أربعة، وبدأ بأعلاهم مرتبة، ثمَّ الذين يلونهم، إلى آخر المراتب. وهؤلاء الأربعةُ هم أهلُ الجنة الذين هم أهلُها، جعلنا الله منهم بمنِّه وكرمه.

الوجه الخامس والستون: أنَّ الإنسانَ إنما يُمَيَّزُ على غيره من الحيوانات بفضيلة العلم والبيان، وإلا فغيرُه من الدَّوابِّ والسِّباع أكثرُ أكلًا منه، وأقوى بطشًا، وأكثرُ جِماعًا وأولادًا، وأطولُ عُمرًا، وإنما مُيِّزَ على الدَّوابِّ والحيوانات بعلمه وبيانه، فإذا عَدِمَ العلمَ بقي معه القدرُ المشتركُ بينه وبين سائر الدَّوابِّ، وهي الحيوانيَّة المحضة، فلا يبقى فيه فضلًا (١) عليهم، بل قد يبقى شرًّا منهم.

كما قال تعالى في هذا الصِّنف من الناس: {إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ} [الأنفال: ٢٢]، فهؤلاء هم الجُهَّال، {وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ} [الأنفال: ٢٣]، أي: ليس عندهم محلٌّ قابلٌ للخير، ولو كان محلُّهم قابلًا للخير {لَأَسْمَعَهُمْ} أي: لأفهَمَهم. فالسمعُ هاهنا سَمْعُ فهم، وإلا فسمعُ الصَّوت حاصلٌ لهم، وبه قامت حجَّةُ الله عليهم؛ قال تعالى: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ} [الأنفال: ٢١].

وقال تعالى: {وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ} [البقرة: ١٧١].


(١) كذا رُسِمَت في الأصول، بالألف. والوجهُ أن تكون مرفوعة.