للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

العباد طاعتَه وتعظيمَه، وتوقيرَه وتبجيلَه، والقيامَ بحقوقه، وسَدَّ إليه جميع الطُّرق فلم يَفْتَح لأحدٍ إلا من طريقه، فشَرَحَ له صدرَه، ورَفَعَ له ذِكْرَه، ووَضَع عنه وِزْرَه، وجعَل الذِّلَّة والصَّغار على من خالف أمرَه، هدى به من الضلالة، وعلَّم به من الجهالة، وبصَّر به من العمى، وأرشدَ به من الغَيِّ، وفتحَ به أعينًا عميًا، وآذانًا صُمًّا، وقلوبًا غُلْفًا.

فلم يزل - صلى الله عليه وسلم - قائمًا بأمر الله لا يردُّه عنه رادٌّ، داعيًا إلى الله لا يصدُّه عنه صادٌّ، إلى أن أشرقت برسالته الأرضُ بعد ظلماتها، وتألَّفت به (١) القلوبُ بعد شَتاتها، وسارت دعوتُه مسيرَ الشمس (٢) في الأقطار، وبلغ دينُه ما بلغ الليلُ والنَّهار.

فلمَّا أكمل الله به الدِّين، وأتمَّ به النعمة على عباده المؤمنين، استأثر به، ونَقَلَه إلى الرفيق الأعلى من كرامته، والمحلِّ الأرفع الأسنى من أعلى جنَّاته، ففارَق الأمةَ وقد تركها على المحجَّة البيضاء، التي لا يزيغُ عنها إلا من كان من الهالكين.

فصلى الله عليه وعلى آله الطَّيبين الطَّاهرين، صلاةً دائمةً بدوام السَّماوات والأرضين، مقيمةً عليهم أبدًا لا ترومُ انتقالًا عنهم ولا تحويلا.

أمَّا بعد؛ فإنَّ الله سبحانه لما أهبطَ آدمَ أبا البشر ــ عليه السلام ــ من الجنة؛ لِمَا له في ذلك من الحِكَم التي تعجزُ العقولُ عن معرفتها، والألسنُ عن صفتها (٣)، فكان إهباطُه منها عَيْنَ كماله، ليعود إليها على أحسن أحواله؛


(١) "به" ساقطة من (ت، ق).
(٢) (ت، ق): "سير الشمس".
(٣) بسط المصنف القول في هذه الحكم في "شفاء العليل" (٦٦١ - ٦٧٧).