للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فأراد سبحانه أن يُذِيقَه وولدَه من تعب الدُّنيا وغمومها وهمومها وأوصابها ما يَعْظُمُ به عندهم مقدارُ دخولهم إليها في الدار الآخرة؛ فإنَّ الضدَّ يُظْهِرُ حُسْنَه الضدُّ، ولو تربَّوا في دار النعيم لم يعرفوا قَدْرَها.

* وأيضًا؛ فإنه سبحانه أراد أمرَهم ونهيَهم، وابتلاءهم واختبارهم، وليست الجنةُ دارَ تكليف؛ فأهبطَهم إلى الأرض، وعَرَّضهم بذلك لأفضل الثواب (١) الذي لم يكن ليُنال بدون الأمر والنَّهي.

* وأيضًا؛ فإنه سبحانه أراد أن يتخذ منهم أنبياء ورسلًا، وأولياء وشهداء، يحبُّهم ويحبُّونه، فخلَّى بينهم وبين أعدائه، وامتحنَهم بهم، فلمَّا آثروه وبذلوا نفوسَهم وأموالَهم في مرضاته ومحابِّه نالوا من محبَّته ورضوانه والقُرْب منه ما لم يكن ليُنال بدون ذلك أصلًا؛ فدرجةُ الرسالة والنبوَّة والشَّهادة والحبِّ فيه والبغض فيه وموالاة أوليائه ومعاداة أعدائه عنده من أفضل الدَّرجات، ولم يكن يُنالُ هذا (٢) إلا على الوجه الذي قَدَّرَه وقضاه مِنْ إهباطه إلى الأرض وجَعْلِ معيشة أولاده فيها.

* وأيضًا؛ فإنه سبحانه له الأسماءُ الحسنى؛ فمِن أسمائه: الغفور، الرحيم، العَفُوُّ، الحليم، الخافض، الرافع، المُعِزُّ، المُذِلُّ، المُحْيِي، المميت، الوارث، الصَّبور (٣)؛ ولا بدَّ من ظهور أثر هذه الأسماء؛ فاقتضت


(١) (ح): "وعوضهم بذلك أفضل الثواب".
(٢) (ت): "ولم تكن تنال هذه".
(٣) ورد هذا الاسم في حديث أبي هريرة الطويل في أسماء الله، الذي أخرجه الترمذي (٣٥٠٧) وغيره.
والصواب الذي عليه جماعةٌ من الحفاظ: أن سرد الأسماء في هذا الحديث مدرجٌ من كلام بعض السلف. وذهب بعضهم إلى صحة رفعه.
انظر: "صحيح ابن حبان" (٨٠٨)، و"مستدرك الحاكم" (١/ ١٦)، و"الأسماء والصفات" للبيهقي (١/ ٣٣)، وجزء أبي نعيم الأصبهاني في طرق هذا الحديث، و"مجموع الفتاوى" (٦/ ٣٧٩، ٨/ ٩٦، ٢٢/ ٤٨٢)، و"تفسير ابن كثير" (٤/ ١٥١٧)، و"فتح الباري" (١١/ ٢١٥)، و"الأمالي المطلقة" (٢٢٧ - ٢٤٥).
كما ورد الاسم في حديثٍ آخر أخرجه الطبراني في "الأوسط" (٧٤٧٥)، ولا يصحُّ.